للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كانت اليمين غير فاجرة، ولكن الإصرار على موضوعها فيه منع للخير، يكون الكسب شرًا إن أصر عليها، ويغفر الله إن اتخذ السبيل الذي يكون به تحلة الأيمان، وهو الكفارة السهلة الميسرة لكل إنسان.

هذا بعض ما يشير إليه التعبير الكريم السامي (بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ).

(وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ذيل الله سبحانه هذه الآية الكريمة بهذه الجملة السامية لتأكيد معنى عدم المؤاخذة في اللغو، ولبيان أنه سبحانه يأخذ عباده بالرفق، ويسهل لهم سبيل العودة إلى الجادة المستقيمة إن حادوا عنها، وتنكبوا سبيل المؤمنين، ويرشدهم إلى ما يخرجون به مما يلقون بأنفسهم فيه من أقوال وأفعال؛ فهو يبين طريق التحلل من الأيمان إن حلفوا ليتركوا خيرًا، أو ليرتكبوا شرًا، وهو بحلمه وتدبيره وحكمته يبين لهم الحق والسبيل إليه؛ وإن سبقت الأيمان محاجزة دون الخير طلب إليهم ألا يتمسكوا بها ويفعلوا الخير.

وإن رحمة الله سبحانه وتعالى في الأيمان وغفرانه وحلمه قد بدا في الإعفاء من يمين اللغو، وعدم اعتبارها، وفي المؤاخذة على ما تكسبه القلوب مع تسهيل العودة إلى فعل الخير، وفي بيان التحلل من اليمين إن حالت بين صاحبها والبر والتقوى والإصلاح بين الناس.

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) هذه إحدى الأيمان التي لو استمسك بها الحالف كانت محاجزة ممانعة دون البر والتقوى، فهي من جهة تطبيق عملي للحكم الذي قرره العلي القدير في قوله تعالى (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانكُمْ)، ومن جهة ثانية هي بيان لحكم حال تعرض في أثناء العشرة الزوجية؛ وذلك جزء من موضوع الأسرة الذي ابتدأه سبحانه بقوله: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لهُمْ خَيْرٌ. . .)، أو بقوله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَى يُؤْمِنَّ. . .)، على حسب الاختلاف في معنى الأسرة من حيث العموم والخصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>