للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حنث الرجل يا رسول الله! قال: " كلا؛ أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة " (١). وهذه الصورة قريبة من الصورة الأولى أو الثانية.

وإنا نرى كما نوهنا من قبل أن هذه الصور كلها تدخل في معنى اللغو؛ لأن معنى اللغو يفهم من مقابله؛ وهو ما ليس بلغو، وغير اللغو هو ما يقصده القلب قصدًا صحيحًا مبنيًا على علم صحيح، وهو موضع المؤاخذة والله سبحانه عبر عن موضع المؤاخذة بأنه ما اكتسبته القلوب أي قصدته واتجهت إليه بعزيمة وعلى علم صحيح؛ وكل الصور السابقة ليس فيها كسب للقلب مبني على إرادة وعلم صحيح، فلا مؤاخذة، فتكون لغوا.

ومعنى عدم المؤاخذة أنه لَا إثم في الآخرة ولا عقوبة في الحنث؛ لأنه لَا يمين حتى يكون منع، وحتى تجب الكفارة، وقد يقول قائل: إن الحلف بالله ولو لغوا وتكرار ذلك فيه بلا شك ما لَا يتفق مع ما للاسم الكريم من إجلال وما يستحق من صون وتحفظ عند النطق، وهو الأمر الذي اتفق عليه العلماء، فكيف لَا تكون مؤاخذة في لغو الأيمان؟

ونقول في الإجابة عن ذلك: إنه بلا شك يجب أن يصان اللسان عن النطق بأيمان اللغو ما أمكن، وإن ثمة إثمًا إذا كررها وأكثر منها في الجليل والحقير، والصغير والكبير، حتى صار اللفظ يجري على لسانه من غير احتياط، لأن ذلك قد يؤدي إلى الحلف غير لاغ، بل مع اكتساب القلب؛ ولكن ذلك الاسم الذي جاء من الإكثار والتكرار والاستمرار، ليس هو الإثم المنفي في الحلف الواحد فالإثم الثابت هو ما كان في الكل والاستمرار، والإثم المنفي ما كان في الجزء والانفراد. على أن نفي المؤاخذة إنما هو ليقدم على الفعل من غير تحرج، وذلك متحقق في كل أيمان اللغو، سواء أكانت ممن يكثر أم كانت ممن يقل، وإن كان ثمة لوم فهو موجه إلى الشخص في جملة أحواله وصفاته، لَا في ذات اليمين منفردة.


(١) من مراسيل الحسن، ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح باب (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).

<<  <  ج: ص:  >  >>