للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)، وقد يكون جمعًا، قال الله تعالى: (أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغُوتُ. . .).

وما المراد بالطاغوت هنا؛ الظاهر أن الطاغوت هو كل طغيان يطغى على النفس أو العقل أو الجماعة، فيتسلط عليه، ويمنعهم من اتباع الحق من زعماء يقودونها إلى الضلال، أو ملوك يسوقونها إلى الباطل سوقا؛ ولعل أظهر معاني الطاغوت أن يفسر بالملوك المتحكمين والكبراء المتجبرين الذين يفتنون الناس عن دين الحق، ويكرهونهم على اعتناق الباطل. وقد سوغ لنا استظهار ذلك ما جاء من نفي الإكراه في الدين سابقًا لهذه الجملة السامية، وما سيق بعد ذلك من قصة ملك متجبر يريد أن يتحكم في عقائد الناس وأهوائهم، فإن ذلك يومئ لنا أن نفهم من كلمة الطاغوت بأنه الحاكم المتجبر، أو الكبير المسيطر، أو الملك القاهر بالباطل، ويكون المعنى: فمن يكفر بالطاغوت، أي يزيل سلطان المتجبرين عن نفسه، ويمنع تحكم المسيطرين على قلبه، ويحرر عقله من أوهام الطغيان، ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى. أي اعتمد على جانب قوي، وعماد على لَا يهن من اعتمد عليه، ولا يسقط من ركن إليه، وفي ذلك إشارة إلى أمرين:

أحدهما: أن لَا يحجب النفوس عن الإيمان بالله إلا طغيان المتجبرين عليها، وسيطرة أوهام الكبراء، فمن تحرر من ربقة الطاغوت تتكشف له الحقيقة العالية فيؤمن بها، ويدركها، ويعتصم بالله سبحانه وتعالى.

ثانيهما: إرشاد ضعفاء النفوس ومن أصاب الخور عزائمهم وأماتت الأوهام ثقتهم بأنفسهم أنهم إن رفضوا سلطان الطغاة، وحاجزوا بينهم وبين قلوبهم، فقد أمِنُوا، ولن يصيبهم ضير إن آمنوا؛ لأنهم آووا إلى ركن شديد، وإلى معتصم حصين، فلن تضيرهم مخالفة الملوك وغيرهم؛ لأن سلطانهم وهمي، وسلطان الله حقيقي، وقوتهم فانية، وقوة الله أزلية باقية، فمن آمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لَا انفصام لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>