الذين قالوا السفر قطعة من العذاب لم يخطئوا فكل يصف السفر على ما هو في عصره.
هذا ولقد رأيت هنالك من آثار رجال الفضل والخير الحاملين لواء المحبة البشرية ما دعاني إلى أن اكتب هذه الرسالة القصيرة إشادة بذكرهم وإثارةً لما في أفئدة غيرهم من كامن الرحمة وقد استحسنت أن أقدم على ذلك كلاماً في دواعي التعظيم والتكريم لتلك الديار الفلسطينية فأقول
لا بدَّ لتفضيل بقعةٍ على بقعة من داعٍ ذاتي أو داعٍ خارجي. أما الداعي الذاتي فهو جودة التربة وطيب الهواء وعذوبة الماء ولذة الثمار وحسن الموقع والخصب.
وأما الداعي الخارجي فهو ما يأيتها أما من رجل ممتاز بعلمٍ أو باختراع، وأما من حادثة عظيمة تقع فيها كذي قار والجفار وذات الرمرم وهي مواضع جرت فيها وقائع حروب فقالوا: يوم ذي قارٍ ويوم الجفار ويم ذات الرمرم. فكل بقعةٍ توصف بإحدى هاتين الصفتين أو بكلتيهما تحوز الكرامة في عيون الناس. فهل شغف الناس بزيارة الأرض المقدسة إلا لما طبعوا عليه من العناية بحفظ آثار العظماء والفضلاء وكل من عرف بمنقبة أو اشتهر
بحادثة كبيرة أو باختراع نافع فهم يتغالون بأثمانها ويتفاخرون بإحرازها. فيا لحسن بخت من توجد عنده اليوم رسالة بخط ذي القرنين مثلاً أو بخط إسناده أرسطو الفيلسوف فيتزاحم أغنياء الغربيين على اشترائها بأغلى ثمن كما يتزاحمون على شراء جوهرة كبيرة