تزول المنافسة وتفقد البغضاء، إلا إذا سعى كل بنفسه لتحصيل ما يقوم باوده. فيجب على كل واحد أن يقبل على الشغل وإعداد جميع لوازمه المعيشية بنفسه، دون أن يعتمد فيها على غيره. فإننا لو نظرنا إلى المصائب العديدة التي تحدث بين الناس، لوجدنا أن أصلحا الحاجة، ومصدرها الفاقة. وأما الشرور والآثام والفجور والفساد فإن مصدرها البطالة والراحة المتناهية وإملاء البطون بالمآكل التي تقود الإنسان إلى الشهوات وارتكاب الموبقات.
إن أقدس واجب على الإنسان تفرضه عليه الإنسانية الحقيقية هو سعيه إلى إزالة عدم المساواة الموجودة بين الناس، وبإزالتها تزول المصائب والويلات وتتلاشى الشرور والشهوات، وأن آمن طريق يوصله إلى ذلك هو العمل.
قال تولستوي مخاطباً ابن المدن المتنعم في رخاء العيش المتناهي في بذخ الحياة: قم واخرج من خدرك وطف في المدينة، وقف إلى جانب أولئك الذين يطعمون الجياع ويكسون العراة، ولا تخف. وانتظم في سلكهم وسر معهم كتفاً إلى كتف، واعمل بيديك الرخيصتين الضعيفتين أول عمل تصادفه. ولا تأنف من فقير بائس، بل أرفق به وألبسه وأطعمه، ثم اشتغل في الزراعة والأعمال الأخرى، فلا شد في أنك ترى نفسك أسعد حالاً مما كنت عليه، وتجد انقلاباً في عواطفك يساعدك على السير في طريق العمل والطهارة.