الصحافة والإنشاء يحتاجان إلى روية أكثر من الخاطبة. لأن ما يقوله الخطيب ينسى حالاً. وأما ما يقوله الصحافي فيبقى مكتوباً ليطالع ويراجع وينتقد. وكمثله كلام المنشئ: وإنما الصحافي يحتاج إلى ذكاء متقد وإلى رزانة أعظم مما يحتاجه المنشئ لأن هذا يمكنه أن يراجع وأن يشاور. وأما الصحافي فليس له من الوقت ما يمكنه من المراجعة والمشاورة. والمنشئ ينشئ في موضوع أو فن واحد. وأما الصحافي فتعرض له كل المواضيع وكل الفنون. فيجب أن يكون راجح العقل، كثير الإدراك، سريع التحصيل ذا حنكة وحكمة ليحصل على رضى الجمهور. ويكون رأيه هو الأصح وحزبه هو الأقوى ويكون هو المحور الذي تدور حوله الآراء - وعلى الصحافي أن يكون فوق الطبيب والفقيه والصناعي والعالم والجندي والسياسي والملك وأن يكون بعيداً عن أغراض الجميع، ولا يتخذ إلا الحق له غرضاً.
الصحافي ليس خادماً في مكتب، بل هو مدير الأفكار بوجهٍ عام: وإذا خطر له مرة أن يفضل الجزئي على الكلي، والعرض على الجوهر، والغرض على الحقيقة، فليتصور أن أمامه الرأي العام يكذبه. وحينذاك تتضح له المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه، ويفهم أهمية مركزه فيحافظ عليه.
الإنشاء كلام منزل كالناموس، إذا قيل مرة فلا يجوز بعد ذلك إزالة حرف منه. هكذا يجب أن تكون الصحافة لتكون مفيدة. والصحافي المفيد هو الذي يقرأ ويحسن الاستنتاج، ويفهم