للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ (١)

قد قال بعضُ الناسِ: «إنه تجوْهَرَ»، وهذا قولُ قومٍ داوموا على الرياضةِ مدةً، فقالوا: لا نُبالي بما عمِلْنا، وإنما الأمرُ والنهيُ رَسْمٌ للعوامِّ، ولو تجَوْهَروا سقَطَ عنهم، وحاصلُ النبوةِ ترجعُ إلى الحكمةِ والمصلحةِ، والمرادُ منها ضبطُ العوامِّ، ولَسْنا من العوامِّ فندخلَ في التكليفِ؛ لأنا قد تجَوْهَرْنا، وعرَفْنا الحِكَم.

فهؤلاءِ أكفر من اليهودِ والنصارى؛ بل هم أكفرُ أهلِ الأرضِ، فإن اليهودَ والنصارى آمَنوا ببعضِ، وكفَروا (٢) ببعضٍ، وهؤلاءِ كفروا بالجميعِ؛ خارجونَ عن التزامِ شيءٍ من الحقِّ.

لكنْ كثيرٌ من هؤلاءِ لا يُطلِقونَ السلبَ العامَّ مطلقًا؛ بل يزعمونَ سقوطَ بعضِ الواجباتِ عنهم، وحِلَّ بعضِ المحرَّماتِ لهم، فمنهم مَن يزعمُ أنه تسقط عنه الصَّلاةُ لوصولِه إلى مقصودِها، وبعضُهم يزعمُ سقوطَها وقتَ المشاهدةِ، وبعضُهم سقوطَ الجُمُعاتِ؛ استغناءً بالتوجه والحضورِ، وبعضُهم يُسقِطُ الحجَّ، ومنهم من يستحِلُّ الفطرَ في رمضانَ لغيرِ عذرٍ شَرْعيٍّ، ومنهم من يستحِلُّ الخمرَ، أو يزعمُ أنها تحرُمُ على العامةِ دونَ الخاصةِ العقلاءِ، فإن أهلَ الأنفسِ الزكيةِ والأعمالِ الصالحةِ لا يقعُ منهم ما يقعُ من العوامِّ.


(١) ينظر أصل الفتوى في هذا الفصل في مجموع الفتاوى ١١/ ٤٠١.
(٢) في (الأصل): أو كفروا. والمثبت من (ك) ومجموع الفتاوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>