وهذا كان حصَلَ لبعضِ الأولينَ، فاتَّفقَ الصحابةُ رضي الله عنهم على قتلِهم إن لم يتوبوا، فإن قُدَامةَ بنَ عبدِ اللهِ شرِبَها هو وطائفةٌ، وتأوَّلوا قولَه:{ليس على الذينَ آمنوا وعملوا الصالحات جناح … } الآيةَ، فلما ذُكِر ذلك لعمرَ بنِ الخطابِ اتَّفقَ معَ عليٍّ وسائرِ الصحابةِ على أنهم إن اعترفوا بالتحريمِ جُلِدوا، وإن أصَرُّوا على استحلالِها قُتِلوا (١).
وذلك أن الآيةَ نزلَتْ في الذينَ شرِبُوها قبلَ تحريمِها، وماتوا في وَقْعةِ أُحُدٍ، ثم علِمَ قدامةُ وأصحابُه أنهم قد أخطَؤوا، وأَيِسوا من التوبةِ؛ حتى كتَب إليهم عمرُ:{حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم غافر الذنب وقابل التوب … }، ما أدري: أيُّ ذنبِكَ أعظمُ: استحلالُكَ المحرَّمَ أولًا، أم يأسُكَ من التوبةِ ثانيًا؟!
والذي اتَّفقَ عليه الصحابةُ مُتَّفَقٌ عليه بينَ الأئمَّةِ، لا يُنازِعونَ في ذلك.
ومن جحَد وجوبَ بعضِ الواجباتِ الظاهرةِ المتواترةِ؛ كالصَّلاةِ، أو جحَد تحريمَ بعض المحرماتِ الظاهرةِ المتواترةِ؛ كالفواحشِ والظلمِ والخمرِ والربا والزنى، أو جحَدَ حِلَّ بعضِ المباحاتِ الظاهرةِ المتواترةِ؛ كالخبزِ واللحمِ والنكاحِ: فهو كافرٌ مرتدٌّ، يُسْتتابُ، فإن تاب وإلا قُتِل، ومن أضْمَرَه فهو منافقٌ، لا يُسْتتابُ عندَ أكثرِ العلماءِ.
ومِن هؤلاءِ من يستحِلُّ بعضَ الفواحشِ؛ كمؤاخاةِ النساءِ الأجانبِ،