وهذا الإجماعُ الذي ذكَرَه؛ هو إجماعُ الفقهاءِ والعلماءِ، فإنه قد ذهَب طائفةٌ من أهلِ الكلامِ إلى أن (١) تكليفَ الممتنعِ لذاتِه واقعٌ في الشريعةِ؛ وهو قولُ الرازيِّ وطائفةٍ قبلَه، وزعموا أن تكليفَ أبي جهلٍ من هذا؛ حيثُ كُلِّف أن يصدِّقَ بالأخبار التي من جُمْلتِها الإخبار بأنه لا يؤمنُ.
وهذا غلَطٌ؛ فإن من أخبَرَ اللهُ أنه لا يؤمنُ بعدَ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له إلى الإيمانِ؛ فقد حقَّت عليه كلمةُ العذابِ، كالذي يُعايِنُ الملائكةَ وقتَ الموتِ، ولم يبْقَ بعدَ هذا مُخاطَبًا من جهةِ الرسولِ بهذينِ الأمرينِ المتناقضينِ.
وكذلك مَن قال: تكليفُ العاجزِ واقعٌ؛ مُحتَجًّا بقولِه:{يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}، فإنه لا يُناقِضُ هذا الإجماعَ، إذ مضمونُ الإجماعِ ينفي وقوعَه في الشريعةِ.
وأيضًا: فإنه خطابُ تعجيزٍ على وجهِ العقوبةِ لهم؛ لتَرْكِهم السجودَ وهم سالمونَ، يعاقبون على تَرْكِ العبادةِ في حالِ قدرَتِهم؛ بأن أُمِروا بها حالَ عَجْزِهم.
وخطابُ العقوبةِ هو من جنسِ خطابِ التكوينِ، لا يُشترَطُ فيه قدرةُ المخاطَبِ؛ إذ ليس المطلوبُ فِعْلَه.
فإذا ثبتَتِ الأنواعُ والأقسامُ، زال الاشتباهُ والإيهامُ، واللهُ أعلمُ.
(١) قوله: (أن) سقطت من الأصل، وهي مثبتة في (ك) ومجموع الفتاوى.