له نعمةٌ أنعمَ بها على مَن آمَنَ به وأطاعه، أكثرَ من نعمتِه على مَن كفَر به وعصاه)، واتَّفَقَ أهلُ السُّنَّةِ على تضليلِ هذا.
ثم النِّزاعُ بينَهم بعدَ ذلك كثير؛ منه لفظيٌّ، ومنه اعتباريٌّ؛ كتَنازُعِهم في أن العرضَ: هل يبقى زمانينِ؟ وبَنَوا عليه بقاءَ الاستطاعةِ.
فالواجبُ أن تُجعَلَ نصوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ هي الأصلَ كما قدَّمْناه.
وأما الأصلُ الثاني - ما اتَّفقَ الناسُ أنه غيرُ مقدورٍ للعبدِ، وتَنازَعوا في جوازِ تكليفِه -، وهو نوعانِ:
أحدُهما: ما هو ممتنعٌ عادةً؛ كالمشيِ على الوجهِ، والطيرانِ، ونحوِ ذلك.
وما هو ممتنعٌ في نفْسِه؛ كالجمعِ بينَ الضِّدَّينِ، فهذا في جوازِه عقلًا ثلاثةُ أقوالٍ؛ كما تقدَّمَ، وأما وقوعُه في الشريعةِ وجوازُه شرعًا؛ فقد اتَّفقَ حَمَلةُ الشريعةِ على أن مثلَ هذا ليس بواقعٍ في الشريعةِ.
وحكى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ؛ منهم ابنُ الزاغوني، قال: إن التكليفَ على ضَرْبَينِ:
أحدُهما: ما لا يطاقُ؛ لوجودِ ضدِّه من العجزِ؛ كنَقْطِ الكتابِ للأعمى، فلا يجوزُ؛ للإجماعِ على ذلك.
والثاني: تكليفُ ما لا يطاقُ، لا لوجودِ ضدِّه من العجزِ؛ مثلُ أن يُكلَّفَ الكافرُ الذي سبَق في علمِه أنه لا يستجيبُ للتكليفِ؛ كفرعونَ وهامانَ وأبي جهلٍ؛ فهذا جائزٌ.
وذهبَتِ المعتزلةُ إلى أن تكليفَ ما لا يطاقُ غيرُ جائزٍ.