للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك مَن زعم أن تقدُّمَ العلمِ والكتابِ بالشيءِ يمنعُ أن يقدرَ على خلافِه.

وكذلك مَن يقول: (إن العرضَ لا يبقى زمانينِ)؛ يقولُ: (إن الاستطاعةَ المتقدمةَ لا تبقى إلى حينِ الفعلِ).

وهذا في الحقيقةِ ليس نزاعاً في الأفعالِ التي أمَر اللهُ بها، أو نهى عنها؛ هل يتناوَلُها التكليفُ؟ (١)

وقد قدَّمْنا أن القدرةَ نوعانِ، وأن مَن يُطلِقُ القولَ بأن الاستطاعةَ لا تكونُ إلا معَ الفعلِ؛ فإطلاقُه مخالفٌ لما ورَد في الكتابِ والسُّنَّةِ؛ كإطلاقِ الجبْرِ، وإن كان قد أطلَقَ ذلك طوائفُ من المنتسبينَ إلى السُّنَّةِ، ومَنْعُ الإطلاقِ في ذلك منقولٌ عن ابن سريج والقَلَانسيِّ، ونُقِل عن أبي حنيفةَ، وهو مُقتضَى قولِ الأئمَّةِ، وامتنعَ منه أبو إسحاقَ بنُ شاقلا، وحكى فيه القولَينِ - فيما ذكَرَه [عنه القاضي أبو يَعْلى] (٢) -: الاستطاعةُ؛ معَ الفعلِ أو قبلَه؟

وهذا كما أن مَن قال: (ليس للعبدِ إلا قدرةٌ واحدةٌ يقدرُ بها على الفعلِ والتركِ)؛ فهو باطلٌ؛ وهم القَدَريَّةُ، الذينَ يقولونَ: (إن العبدَ لا يفتقرُ إلى اللهِ حال الفعل بعينه بأكثر مما وجد قبلَ الفعلِ، وإن اللهَ ليس


(١) تتمة الكلام حتى يفهم المراد كما في مجموع الفتاوى ٨/ ٢٩٩: (وإنما هو نزاع في كونها غير مقدورة للعبد التارك لها وغير مقدورة قبل فعلها).
(٢) في الأصل: عن القاضي أبي يعلى. والمثبت من مجموع الفتاوى وهو الصواب، فإن القاضي متأخر عن ابن شاقلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>