مَنْ هَذَا الَّذِي تَأْتِينَا أَخْبَارُ انْتِصَارَاتِهِ دُونَ أَنْ نَعْلَمَ عَنْ أَمْرِهِ شَيْئًا؟!
وَكَانَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّسَاؤُلِ؛ هُوَ الْمُثَنَّى نَفْسَهُ …
فَلَقَدْ أَسْرَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَقِيَ الصِّدِّيقَ، وَأَخْبَرَهُ بِغَارَاتِهِ عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ.
وَعَدَّدَ لَهُ الْمُدُنَ وَالْقُرَى وَالْحُصُونَ؛ الَّتِي حَرَّرَهَا مِنَ الْفُرْسِ، وَضَمَّهَا إِلَى دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ، وَوَصَفَ لَهُ جَمَالَ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَوَفْرَةَ خَيْرَاتِهَا وَكَثْرَةَ غَلَّاتِهَا.
وَأَطْلَعَهُ عَلَى حَالَةِ الْفُرْس، وَاضْطِرَابٍ أُمُورِهِمْ وَاخْتِلَالٍ مُلْكِهِمْ.
وَمَا زَالَ بِهِ؛ حَتَّى أَغْرَاهُ بِفَتْحِ بِلَادِ فَارِسِ.
فَنَشِطَ الصِّدِّيقُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ الْكَبِيرِ وَجَيَّشَ لَهُ الْجُيُوشَ …
وَجَعَلَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِي أَحَدَ كِبَارِ قَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْحُرُوبِ.
* * *
خَاضَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ مَعَ جُيُوشِ الْفُرْسِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَعَارِكِ؛ كَانَ أَعْظَمُهَا مَعْرَكَةَ "بَابِلَ" الشَّهِيرَةَ.
وَكَانَ مِنْ خَبَرِ هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ أَنَّ "شَهْرَذَانَ" مَلِكَ الْفُرْسِ؛ أَرْسَلَ قُبَيْلَ الْمَعْرَكَةِ كِتَابًا إِلَى قَائِدِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ يَقُولُ فِيهِ:
إِنِّي قَدْ وَجَّهْتُ لِحَرْبِكَ رُعَاةَ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ وَغَيرَهُمْ مِنَ الرَّعَاعِ (١).
وَلَسْتُ أُقَاتِلُكَ إِلَّا بِهِمْ …
فَمَا أَنْتَ لِمَنْ فَوْقَهُمْ بِأَهْلٍ.
(١) الرَّعَاع: سفلة الناس.