للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ … أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ

ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الله.

* * *

تَذَوَّقَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ، مَا جَعَلَهُ يَعَضُّ بَنَانَ النَّدَمِ عَلَى كُلِّ لَحْظَةٍ قَضَاهَا فِي الشِّرْكِ، فَأَقْبَلَ عَلَى الدِّينِ الْجَدِيدِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ، وَوَضَعَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

* * *

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى كَانَتْ "أُحُدٌ"، فَرَأَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَبْنَاءَهُ الثَّلَاثَةَ يَتَجَهَّزُونَ لِلقَاءِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ غَادِينَ رَائِحِينَ كَأُسْدِ الشَّرَى (١) وَهُمْ يَتَوَهَّجُونَ شَوْقًا إِلَى نَيْلِ الشَّهَادَةِ وَالْفَوْزِ بِمَرْضَاةِ اللَّهِ، فَأَثَارَ الْمَوْقِفُ حَمِيَّتَهُ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَغْدُوَ مَعَهُمْ إِلَى الْجِهَادِ تَحْتَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ .

لَكِنَّ الْفِتْيَةَ أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ أَبِيهِمْ مِمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ … فَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ طَاعِنٌ فِي السِّنِّ، وَهُوَ إِلَى ذَلِكَ أَعْرَجُ شَدِيدُ الْعَرَج، وَقَدْ عَذَرَهُ اللَّهُ ﷿ فِيمَنْ عَذَرَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ:

يَا أَبَانَا إِنَّ اللَّهَ عَذَرَكَ، فَعَلَامَ تُكَلِّفُ نَفْسَكَ مَا أَعْفَاكَ اللَّهُ مِنْهُ؟!.

فَغَضِبَ الشَّيْخُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَشَدَّ الْغَضَبِ، وَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ الله يَشْكُوهُمْ فَقَالَ:

يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَبْنَائِي هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْخَيْرِ وَهُمْ يَتَذَرَّعُونَ (٢) بِأَنِّي أَعْرَجُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ الْجَنَّةَ.

فَقَالَ الرَّسُولُ لِأَبْنَائِهِ: (دَعُوهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ ﷿ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ) … فَخَلَّوْا عَنْهُ إِذْعَانًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ .

* * *

وَمَا إِنْ أَزِفَ (٣) وَقْتُ الْخُرُوجِ، حَتَّى وَدَّعَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ زَوْجَتَهُ


(١) أُسد الشَّرى: أُسْدُ الغاب.
(٢) يتذرعون: يحتجون.
(٣) أزف: حان.

<<  <  ج: ص:  >  >>