للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

في اللَّيْلِ، وَحَمَلُوهُ مِنْ مَكَانِهِ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى حُفْرَةٍ لِبَنِي "سَلَمَةَ" يَرْمُونَ فِيهَا أَقْذَارَهُمْ، وَطَرَحُوهُ هُنَاكَ، وَعَادُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَمْرُو دَلَفَ (١) إِلَى صَنَمِهِ لِتَحِيَّتِهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، مَنْ عَدَا عَلَى إِلَهِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟! … فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ.

فَطَفِقَ (٢) يَبْحَثُ عَنْهُ فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ وَخَارِجِهِ، وَهُوَ يُرْغِي وَيُزبدُ (٣) وَيَتَهَدَّدُ وَيَتَوَعَّدُ حَتَّى وَجَدَهُ مُنَكَّسًا عَلَى رَأْسِهِ فِي الْحُفْرَةِ، فَغَسَلَهُ، وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى مَكَانِهِ وَقَالَ لَهُ: أَمَّا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا لَأَخْزَيْتُهُ.

فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَدَا الْفِتْيَةُ عَلَى "مَنَاةَ" فَفَعَلُوا فِيهِ مِثْلَ فِعْلِهِمْ بِالْأَمْسِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الشَّيْحُ الْتَمَسَهُ (٤) فَوَجَدَهُ فِي الْحُفْرَةِ مُلَطَّخًا بِالْأَقْذَارِ، فَأَخَذَهُ وَغَسَلَهُ وَطَيَّبَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى مَكَانِهِ.

وَمَا زَالَ الْفِتْيَةُ يَفْعَلُونَ بِالصَّنِم مِثْلَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمَّا ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا؛ رَاحَ إِلَيْهِ قَبْلَ مَنَامِهِ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَعَلَّقَهُ بِرَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ:

يا "مَنَاةُ"، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِكَ هَذَا الَّذِي تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَادْفَعِ الشَّرَّ عَنْ نَفْسِكَ، وَهَذَا السَّيْفُ مَعَكَ … ثُمَّ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ.

فَمَا إِنِ اسْتَيْقَنَ الْفِتْيَةُ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ قَدْ غَطَّ فِي نَوْمِهِ حَتَّى هَبُّوا إِلَى الصَّنَمِ؛ فَأَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ وذَهَبُوا بِهِ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَقَرَنُوهُ (٥) إِلَى كَلْبٍ مَيِّتٍ بِحَبْلٍ، وَأَلْقَوْا بِهِمَا فِي بِئْرٍ لِبَنِي "سَلَمَةَ" تَسِيلُ إِلَيْهَا الْأَقْذَارُ وَتَتَجَمَّعُ فِيهَا.

فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الشَّيْخُ وَلَمْ يَجِدِ الصَّنَمَ خَرَجَ يَلْتَمِسُهُ؛ فَوَجَدَهُ مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ فِي الْبِئْرِ، مَقْرُونًا إِلَى كَلْبِ مَيَّتٍ، وَقَدْ سُلِبَ مِنْهُ السَّيْفُ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ مِنَ الْحُفْرَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ حَيْثُ أَلْقَوْهُ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:


(١) دلف: مَشَى في هدوءٍ.
(٢) طفق يبحث: أخذ يبحث.
(٣) يرغي ويزبد: كناية عن شِدَّة الغضب وهيجان النفس.
(٤) التَمسه: بحث عنه وطلبه.
(٥) قرنوه إلَى كلب: ربطوه معه.

<<  <  ج: ص:  >  >>