للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَيَقْطَعُوا وُضُنَهَا وَيُحَطِّمُوا تَوَابِيتَهَا وَيَرْمُوا فَيَّالَتَهَا؛ فَتُوَلِّي مُدْبِرَةً … كَمَا فَعَلَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ.

* * *

وَمَا إِنْ دَارَتْ رَحَى الْمَعْرَكَةِ حَتَّى شَدَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُمَاةِ الْفِيَلَةِ، وَشَدَّ الْفُرْسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَصَدَّوا لِهَؤُلَاءِ الْحُمَاةِ …

فَدَارَتْ حَوْلَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الرَّهِيبَةِ مَعَارِكُ ضَارِيَةٌ؛ أُرِيقَ فِيهَا الْغَزِيرُ مِنَ الدِّمَاءِ، وَأُزْهِقَ خِلَالَهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْأَنْفُسِ.

فَصَبَرَ الْمُسْلِمُونُ وَصَابَرُوا، وَتَجَلَّدُوا (١) لِعَدُوِّهِمْ وَجَالَدُوا؛ حَتَّى أَطَاحُوا بِحُمَاةِ الْفِيَلَةِ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ …

فَإِذَا هُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ أَوْ جَرِيحٍ أَوْ نَاكِصٍ عَلَى الْأَعْقَابِ.

* * *

لَكِنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الشَّرِسَةَ مَا كَادَتْ تَرَى أَنَّ حُمَاتَهَا قَدِ انْفَضُّوا عَنْهَا؛ حَتَّى اسْتَوْحَشَتْ وَهَاجَتْ وَهَجَمَتْ عَلَى صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ؛ كَأَنَّهَا الْحُصُونُ الْمُتَحَرِّكَةُ، وَجَعَلَتْ تَضْرِبُ بِخَرَاطِيمِهَا الطَّوِيلَةِ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ؛ فَلَا تُبْقِي أَمَامَهَا أَحَدًا وَلَا تَذَرُ.

ولَمْ تَكُنْ لِتُؤَثِّرَ فِيهَا ضَرَبَاتُ السُّيُوفِ، وَلَمْ تَكُنْ لِتَنَالَ مِنْهَا طَعَنَاتُ الرِّمَاحِ، وَمَا كَانَتِ النِّبَالُ (٢) إِلَّا لِتَزِيدَهَا ثَوْرَةً وَهَيَجَانًا.

* * *

شَعَرَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالْكَارِثَةِ الَّتِي تُوشِكُ أَنْ تُحِيقَ بِالْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْفِيَلَةِ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهَا؛ فَسَيُصَابُ الْمُسْلِمُونَ بِهَزِيمَةٍ


(١) تجَلدوا: أظهروا الجَلَدَ والصبر.
(٢) النِّبَال: السهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>