للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَأَنْ يَشْحَنُوا الْجَوَّ بِالْغُبَارِ وَأَنْ يَمْلَأُوا الْأَرْضَ بِالضَّجِيجِ وَالْعَجِيجِ … لِيَبُثُّوا فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ الثِّقَةَ وَالْعَزْمَ، وَيُشِيعُوا فِي نُفُوسِ الْفُرْسِ الْقَلَقَ وَالْخَوْفَ.

وَمَا إِنْ طَلَعَ الصَّبَاحُ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا؛ حَتَّى طَفِقَتِ الْكَتَائِبُ تُقْبِلُ مِنْ خَلْفِ الصَّحْرَاءِ عَلَى سَاحَةِ الْمَعْرَكَةِ مُكَبِّرَةً مُهَلِّلَةً …

فَيَتَلَقَّاهَا الْقَعْقَاعُ كَتِيبَةً إِثْرَ كَتِيبَةٍ، وَيُحَدِّدُ لَهَا مَكَانَهَا بَيْنَ الصُّفُوفِ.

لَكِنَّ سَيْلَ الْكَتَائِبِ جَاوَزَ الْعَشْرَ؛ فَنَظَرَ … فَإِذَا هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ قَدْ وَصَلَ بِجَيْشِهِ إِلَى مَشَارِفِ الْقَادِسِيَّةِ مَعَ الصَّبَاحِ أَيْضًا …

وَرَأَى هَاشِمٌ فُرْسَانَ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو وَمَا يَصْنَعُونَ؛ فَسُرَّ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَقَسَمَ هُوَ الْآخَرُ جُنْدَهُ إِلَى مِئَاتٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَلَاحَقُوا تِبَاعًا إِلَى أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ …

* * *

لَمْ يَفُتَّ (١) هَذَا الْمَدَدُ الْكَبِيرُ فِي عَضُدِ الْفُرْسِ كَثِيرًا.

ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَصْلَحُوا تَوَابِيتَ (٢) فِيَلَتِهِمْ وَجَدَّدُوا وُضُنَهَا، وَصَفُّوهَا فِي طَلِيعَةِ الْجَيْشِ؛ كَأَنَّهَا الْبُنْيَانُ الْمَرْصُوصُ.

وَلَقَدْ كَانُوا عَلَى ثِقَةٍ بِأَنَّهَا سَتَفْتِكُ بِالْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ أَكْثَرَ مِمَّا فَتَكَتْ بِهِمْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ.

ذَلِكَ لِأَنَّهُمُ احْتَاطُوا لَهَا هَذِهِ الْمَرَّةَ بِمَا لَمْ يَحْتَاطُوا لَهَا مِنْ قَبْلُ …

فَأَحَاطُوهَا بِالْفُرْسَانِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ حَتَّى لَا يَخْلُصَ إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ؛


(١) يَفُتّ فِي عَضُدهم: يوهن قوتهم.
(٢) تَوَابِيت فِيَلَتِهِم: صناديقها التي يجلس فيها الرجال.

<<  <  ج: ص:  >  >>