حَمَلْتِنِي عَلَى بَذْلِ مَاءِ وَجْهِي لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، وَمَا أَرَاهُ أَمَرَ لِي؛ إِلَّا بِدَقِيقٍ أَوْ طَعَامٍ …
وَلَوْ كَانَ مَالًا؛ لَمَا احْتَاجَ إِلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، وَلَأَعْطَانِيهِ بِيَدِي.
فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: مَهْمَا أَعْطَاكَ؛ فَإِنَّنَا بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ فَخُذْهُ.
فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى الْوَكِيلِ؛ فَقَالَ الْوَكِيلُ:
إنِّي أَخْبَرْتُ الْأَمِيرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْكَ أَحَدٌ يَحْمِلُ عَطِيَّتَهُ لَكَ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْكَ بهَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ الثَّلَاثَةِ لِيَحْمِلُوهَا مَعَكَ …
فَمَضَى الرَّجُلُ أَمَامَهُمْ؛ فَلَمَّا بَلَغُوا الْبَيْتَ …
إِذَا عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ فَقَالَ لِلْغِلْمَانِ:
ضَعُوا مَا مَعَكُمْ وَانْصَرِفُوا.
فَقَالُوا: إِنَّ الْأَمِيرَ قَدْ وَهَبَنَا لَكَ …
فَإِنَّهُ مَا بَعَثَ مَعَ غُلَامٍ هَدِيَّةً إِلَى أَحَدٍ؛ إِلَّا كَانَ الْغُلَامُ فِي جُمْلَةِ الْهَدِيَّةِ.
* * *
وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ؛ فَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ فَقَالَ لَهُ وَكِيلُهُ:
خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم أَمْ دِينَارٍ؟!!.
فَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرْتُكَ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ …
أَمَا وَإِنَّهُ جَاشَ (١) فِي خَاطِرِكَ أَنَّهَا دَنَانِيرُ؛ فَادْفَعْ إِلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ.
فَلَمَا قَبَضَهَا الْأَعْرَابِيُّ جَلَسَ يَبْكِي؛ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ:
(١) جَاش فِي خَاطِرِك: ظَنَنْتَ.