للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كَانَتْ "حَدِيقَةُ الْمَوْتِ" هَذِهِ رَحْبَةَ الْأَرْجَاءِ سَامِقَةَ (١) الْجُدْرَانِ، فَأَغْلَقَ مُسَيْلِمَةُ وَالْآلَافُ الْمُؤَلَّفَةُ مِنْ جُنْدِهِ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَهَا، وَتَحَصَّنُوا بِعَالِي جُدْرَانِهَا، وَجَعَلُوا يُمْطِرُونَ الْمُسْلِمِينَ بِنِبَالِهِمْ مِنْ دَاخِلِهَا فَتَتَسَاقَطُ عَلَيْهِمْ تَسَاقُطَ الْمَطَرِ.

عِنْدَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ مِغْوَارُ الْمُسْلِمِينَ الْبَاسِلُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ وَقَالَ:

يَا قَوْمُ، ضَعُونِي عَلَى تُرْسٍ، وَارْفَعُوا التُّرْسَ عَلَى الرِّمَاحِ، ثُمَّ اقْذِفُونِي إِلَى الْحَدِيقَةِ قَرِيبًا مِنْ بَابِهَا، فَإِمَّا أَنْ أُسْتَشْهَدَ، وَإِمَّا أَنْ أَفْتَحَ لَكُمُ الْبَابَ.

* * *

وَفِي لَمْحِ الْبَصَرِ جَلَسَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكِ عَلَى تُرْس؛ فَقَدْ كَانَ ضَئِيلَ الْجِسْمِ نَحِيلَهُ، وَرَفَعَتْهُ عَشَرَاتُ الرِّمَاحِ فَأَلْقَتْهُ فِي "حَدِيقَةِ الْمَوْتِ" بَيْنَ الْآلَافِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ جُنْدِ مُسَيْلِمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ نُزُولَ الصَّاعِقَةِ، وَمَا زَالَ يُجَالِدُهُمْ أَمَامَ بَابِ الْحَدِيقَةِ، وَيُعْمِلُ فِي رِقَابِهِمُ السَّيْفَ حَتَّى قَتَلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ وَفَتَحَ الْبَابَ، وَبِهِ بِضْعٌ (٢) وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً مِنْ بَيْنِ رَمْيَةٍ بِسَهْمٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ …

فَتَدَفَّقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى "حَدِيقَةِ الْمَوْتِ"، مِنْ حِيطَانِهَا وَأَبْوَابِهَا وَأَعْمَلُوا السُّيُوفَ فِي رِقَابِ الْمُرْتَدِّينَ اللَّائِذِينَ (٣) بِجُدْرَانِهَا، حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا وَوَصَلُوا إِلَى مُسَيْلِمَةً فَأَرْدَوْهُ صَرِيعًا.

* * *

حُمِلَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكِ إِلَى رَحْلِهِ لِيُدَاوَى فِيهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ شَهْرًا يُعَالِجُهُ مِنْ جِرَاحِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالشِّفَاءِ، وَكَتَبَ لِجُنْدِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى يَدَيْهِ النَّصْرَ.

* * *

ظَلَّ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكِ الْأَنْصَارِيُّ يَتُوقُ إِلَى الشَّهَادَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ يَوْمَ "حَدِيقَةِ الْمَوْتِ"


(١) سامقة الجدران: عالية الجدران.
(٢) الْبضْعُ: من الثلاثة إلى التسعة.
(٣) اللّائذين: المحتمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>