للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْتَقَى الْجَيْشَانِ عَلَى أَرْضِ "الْيَمَامَةِ" فِي نَجْدٍ"، فَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ، حَتَّى رَجَحَتْ كَفَّةُ مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ تَحْتَ أَقْدَامِ جُنُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَطَفِقُوا يَتَرَاجَعُونَ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ، حَتَّى اقْتَحَمَ أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ فُسْطَاطَ (١) خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَاقْتَلَعُوهُ مِنْ أُصُولِهِ، وَكَادُوا يَقْتُلُونَ زَوْجَتَهُ لَوْلَا أَنْ أَجَارَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ.

عِنْدَ ذَلِكَ شَعَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَطَرِ الدَّاهِم (٢)، وَأَدْرَكُوا أَنَّهُمْ إِنْ يُهْزَمُوا أَمَامَ مُسَيْلِمَةَ فَلَنْ تَقُومَ لِلْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَلَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ في جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَهَبَّ خَالِدٌ إِلَى جَيْشِهِ، فَأَعَادَ تَنْظِيمَهُ، حَيْثُ مَيَّزَ الْمُهَاجِرِينَ عَنِ الْأَنْصَارِ، وَمَيَّزَ أَبْنَاءَ الْبَوَادِي عَنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.

وَجَمَعَ أَبْنَاءَ كُلِّ أَبٍ تَحْتَ رَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِيُعْرَفَ بَلَاءُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلِيُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ يُؤْتَى (٣) الْمُسْلِمُونَ.

* * *

وَدَارَتْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ رَحَى مَعْرَكَةٍ ضَرُوسٍ (٤) لَمْ تَعْرِفُ حُرُوبُ الْمُسْلِمِينَ لَهَا نَظِيرًا مِنْ قَبْلُ، وَثَبَتَ قَوْمُ مُسَيْلِمَةَ فِي سَاحَاتِ الْوَغَى ثَبَاتَ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ وَلَمْ يَأْبَهُوا (٥) لِكَثْرَةِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ … وَأَبْدَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَوَارِقِ الْبُطُولَاتِ مَا لَوْ جُمِعَ لَكَانَ مَلْحَمَةً (٦) مِنْ رَوَائِعِ الْمَلَاحِم.

فَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ (٧) حَامِلُ لِوَاءِ الْأَنْصَارِ يَتَحَنَّطُ وَيَتَكَفَّنُ وَيَحْفِرُ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً فِي الأَرْضِ، فَيَنْزِلُ فِيهَا إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَيَبْقَى ثَابِتًا فِي مَوْقِقِهِ، يُجَالِدُ عَنْ رَايَةِ قَوْمِهِ حَتَّى خَرَّ صَرِيعًا شَهِيدًا.


١ - الفسطاط: الخيمة الكبيرة.
٢ - الخطر الدّاهِم: الخطر الشّديد المفاجئ.
٣ - يُؤتى المسلمون: من أين يصابون.
٤ - معركة ضروس: معركة شديدة مهلكة.
٥ - لم يأبهوا: لم يهتموا ولم يلتفتوا.
٦ - الملحمة: عمل شعري كبير ينظم في وصف الحروب وجيوشها وأبطالها.
٧ - ثابت بن قيس: انظره ص ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>