للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عَمَّا يَتَلَجْلَجُ (١) فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْأَمَانِيِّ وَالْآمَالِ، ثُمَّ يَأْتُوهُ بِهَا سِرًّا.

فَكَانَ يُوَاجِهُ كُلَّ ذِي حَاجَةٍ بِحَاجَتِهِ، وَيَبْدَأُ كُلَّ صَاحِبِ مُشْكِلَةٍ بِمُشْكِلَتِهِ، وَيَأْتِي لِأَنْبَاعِهِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ مَا يُذْهِلُ عُقُولَهُمْ وَيُحَيِّرُ أَفْهَامَهُمْ … حَتَّى غَلُظَ (٢) أَمْرُهُ، وَاسْتَطَارَتْ (٣) دَعْوَتُهُ كَمَا تَسْتَطِيرُ النَّارُ الْمُسْتَعِرَةُ فِي الْهَشِيمِ الْيَابِسِ.

* * *

مَا كَادَتْ تَبْلُغُ النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنْبَاءُ رِدَّةِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ وَوُثُوبِهِ عَلَى "الْيَمَنِ"؛ حَتَّى سَيَّرَ نَحْوَ عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَسَائِلَ إِلَى مَنْ يَتَوَسَّمُ (٤) فِيهِمُ الْخَيْرَ مِنْ أَصْحَابِ السَّابِقَةِ (٥) فِي "الْيَمَنِ" يَحُضُّهُمْ فِيهَا عَلَى مُوَاجَهَةِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْعَمْيَاءِ بِالْإِيمَانِ وَالْحَزْمِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّخَلُّصِ مِنَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ …

فَمَا مِنْ أَحَدٍ بَلَغَتْهُ رِسَالَةُ النَّبِيِّ إِلَّا لَبَّى دَعْوَتَهُ، وَهَبْ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ.

وَكَانَ أَسْبَقَ النَّاسِ اسْتِجَابَةً لِنِدَائِهِ بَطَلُ قِصَّتِنَا فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ "الْأَبْنَاءِ".

فَلْنَتْرُكِ الْكَلَامَ لَهُ لِيَرْوِيَ لَنَا قِصَّتَهُ الْفَذَّةَ الرَّائِعَةَ … قَالَ فَيْرُوزُ:

لَمْ نَرْتَبْ (٦) أَنَا وَمَنْ مَعِي مِنَ "الْأَبْناءِ"، لَحْظَةً فِي دِينِ اللهِ، وَلَا وَقَعَ فِي قَلْبِ أَيٍّ مِنَّا تَصْدِيقٌ لِعَدُوِّ اللَّهِ.


(١) يتلجلج في صدورهم: يختلج في صدورهم.
(٢) غلظ أمره: اشتدَّ أمره وقوي.
(٣) استطارت دعوته: ذاعت وعمَّت، وطارت في الآفاق.
(٤) يتوسم فيهم الخير: يأمُل فيهم الخير وَيَتَوَقَّعَه.
(٥) أصحاب السَّابقة: السابقون إلى الإسلام وتصديق النَّبي .
(٦) لم نَرَتَبْ: لم نَشُكّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>