للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بَيْدَ (١) أَنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَنْفُضْ يَدَهَا مِنْ أَمْرِ الْعُثُورِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَنثَنِ (٢) عَزْمُهَا عَنْ مُلَاحَقِّتِهِ؛ فَأَعْلَنَتْ فِي الْقَبَائِلِ الْمُنْتَشِرَةِ عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ: أَنَّ مَنْ يَأْتِهَا بِمُحَمَّدٍ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَلَهُ مِائَةٌ مِنْ كَرَائِمِ الْإِبِلِ.

* * *

كَانَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدْلَجِيُّ فِي نَدِيٍّ (٣) مِنْ أَنْدِيَةِ قَوْمِهِ فِي "قُدَيْدٍ" قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ.

فَإِذَا بِرَسُولٍ مِنْ رُسُلِ قُرَيْشٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ، وَيُذِيعُ فِيهِمْ نَبَأَ الْجَائِزَةِ الْكُبْرَى الَّتِي بَذَلَتْهَا قُرَيْشٌ لِمَنْ يَأْتِيهَا بِمُحَمَّدٍ حَيًّا أَوْ مَيْتًا.

فَمَا كَادَ سُرَاقَةُ يَسْمَعُ بِالنُّوقِ الْمِائَةِ حَتَّى اشْرَأَبَّتْ (٤) إِلَيْهَا أَطْمَاعُهُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا حِرْصُهُ … وَلَكِنَّهُ ضَبَطَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَفُهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ حَتَّى لَا تَتَحَرَّكَ أَطْمَاعُ الْآخَرِينَ.

وَقَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ سُرَاقَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ دَخَلَ عَلَى النَّدِيِّ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ وَقَالَ:

وَاللَّهِ لَقَدْ مَرَّ بِيَ الْآنَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُمْ مُحَمَّدًا وَأَبَا بَكْرٍ وَدَلِيلَهُمَا.

فَقَالَ سُرَاقَةُ: بَلْ هُمْ بَنُو فُلَانٍ مَضَوْا يَبْحَثُونَ عَنْ نَاقَةٍ لَهُمْ أَضَلُّوهَا (٥).

فَقَالَ الرَّجُلُ: لَعَلَّهُمْ كَذَلِكَ، وَسَكَتَ …

ثُمَّ مَكَثَ سُرَاقَةُ قَلِيلًا حَتَّى لَا يُثِيرَ قِيَامُهُ أَحَدًا مِمَّنْ فِي النَّدِيِّ …

فَلَمَّا دَخَلَ الْقَوْمُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ انْسَلَّ (٦) مِنْ بَيْنِهِمْ، وَمَضَى خَفِيفًا


(١) بَيْد أن: إِلَّا أَنَّ.
(٢) لَمْ يَنْثَنِ: لَمْ يَتَرَاجَعْ ولَمْ يرتدَّ.
(٣) النَّدِيّ: مكان اجتماع القوم.
(٤) اشْرَأَبَّتْ: تَطَلَّعَتْ.
(٥) أضلوها: أضاعوها.
(٦) انْسَلَّ: انْسَحَب برفق وخِفَّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>