للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَكَانَ الَّذِي يَشْغَلُ بَالَهُ أَمْرَ مُحَمَّدٍ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ؛ وَخَوْفَهُ مِنْ أَنْ يَبْطِشَ أَبُوهُ بِهِ بَطْشَةَ الْجَبَّارِينَ.

* * *

وَفِي الْهَزِيعِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ نَهَكَهُ النَّعَاسُ فَأَسْلَمَ جَفْنَيْهِ لِلْكَرَى (١).

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى هَبَّ مَذْعُورًا مُمْتَقِعَ (٢) الْوَجْهِ؛ يَرْتَجِفُ مِنْ هَوْلِ مَا رَأَى … وَيَهْتَرُّ مِنْ فَرْطِ مَا عَانَى وَهُوَ يَقُولُ:

أَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا لَرُؤْيَا حَقٌّ … وَإِنِّي مَا رَأَيْتُ كَذِبًا.

* * *

لَقَدْ رَأَى خَالِدٌ نَفْسَهُ وَاقِفًا عَلَى شَفِيرِ (٣) وَادٍ سَحِيقٍ (٤) مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ لا يُدْرِكُ الطَّرْفُ مَدَاهُ، وَلَا يَعْرِفُ الْمَرْءُ قَرَارَهُ …

وَكَانَتْ تَتَلَظَّى (٥) فِى هَذَا الْوَادِي نَارٌ لَهَا شَهِيقٌ وَزَفِيرٌ يَخْلَعَانِ الْقُلُوبَ خَلْعًا … وَيَهْصِرَانِ النُّفُوسَ هَصْرًا (٦).

فَلَمَّا هَمَّ بِالِابْتِعَادِ عَنْ شَفِيرِ الْوَادِي بَرَزَ لَهُ أَبُوهُ، وَأَخَذَ يَشُدُّهُ إِلَى النَّارِ بِعُنْفٍ؛ فَجَعَلَ يُقَاوِمُ أَبَاهُ أَشَدَّ الْمُقَاوَمَةِ …

وَيُصَارِعُهُ أَقْسَى الْمُصَارَعَةِ حَتَّى إِذَا فُلَّ (٧) عَزْمُهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ يَهْوِيَ إِلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ … فَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُقْبِلُ عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ بِحِزَامِهِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، وَيَجْذِبُهُ إِلَيْهِ جَذَّبًا، وَيُنْقِذُهُ مِنَ السُّقُوطِ فِي شَفِيرِ وَادِي جَهَنَّمَ.

* * *

ما كَادَ يَنْبَلِجُ (٨) الصُّبْحُ حَتَّى مَضَى خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ … ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ وَيَطْمَئِنُ لَهُ.


(١) الْكَرِى: النّوم.
(٢) مُمْتَقِعَ الوجه: متغير اللون مفزوع.
(٣) شَفيرِ: حافة.
(٤) سَحيقٍ: عميق بعيد الغور.
(٥) تَتَلَظَّى: تلتهب.
(٦) هَصْرًا: يعصرها عصرًا.
(٧) فُلَّ عزمه: ضعف ووهن.
(٨) يَنْبَلِج: يسفر ويضيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>