للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْمُسْلِمِينَ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَشْرِيَ (١) نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَتَحَنَّطَ (٢) وَتَكَفَّنَ وَأَوْصَى أَخَاهُ …

فَمَضَى الرَّبِيعُ إِلَى أَبِي مُوسَى وَقَالَ: إِنَّ "الْمُهَاجِرَ" قَدْ أَزْمَعَ أَنْ يَشْرِيَ نَفْسَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَطْأَةِ الْحَرْبِ، وَشِدَّةِ الصَّوْمِ مَا أَوْهَنَ (٣) عَزَائِمَهُمْ، وَهُمْ يَأْبَوْنَ الْإِفْطَارَ فَافْعَلْ مَا تَرَى.

فَوَقَفَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَنَادَى فِي الْجَيْشِ:

يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، عَزَمْتُ (٤) عَلَى كُلِّ صَائِمٍ أَنْ يُفْطِرَ؛ أَوْ يَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ … وَشَرِبَ مِنْ إِبْرِيقِ كَانَ مَعَهُ لِيَشْرَبَ النَّاسُ بِشُرْبِهِ.

فَلَمَّا سَمِعَ "الْمُهَاجِرُ" مَقَالَتَهُ جَرَعَ جُرْعَةٌ مِنَ الْمَاءِ وَقَالَ:

وَاللَّهِ مَا شَرِبْتُهَا مِنْ عَطَشِ وَلَكِنَّنِي أَبْرَرْتُ عَزْمَةَ أَمِيرِي (٥)

ثُمَّ امْتَشَقَ حُسَامَهُ وَطَفِقَ يَشُقُ بِهِ الصُّفُوفَ، وَيُجَنْدِلُ (٦) الرِّجَالَ غَيْرَ وَجِلٍ وَلَا هَيَّابٍ … فَلَمَّا أَوْغَلَ فِي جَيْشِ الْأَعْدَاءِ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَتَعَاوَرَتْهُ (٧) سُيُوفُهُمْ مِنْ أَمَامِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ حَتَّى خَرَّ صَرِيعًا …

ثُمَّ إِنَّهُمُ احْتَزُوا رَأْسَهُ وَنَصَبُوهُ عَلَى شُرْفَةٍ مُطِلَّةٍ عَلَى سَاحَةِ الْقِتَالِ.

فَنَظَرَ إِلَيْهِ الرَّبِيعُ، وَقَالَ: طُوبَى (٨) لَكَ، وَحُسْنُ مَآبٍ …

وَاللَّهِ لَأَنْتَقِمَنَّ لَكَ وَلِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا نَزَلَ بِالرَّبِيعِ مِنَ الْجَزَعِ عَلَى أَخِيهِ، وَأَدْرَكَ مَا ثَارَ


(١) يشري نَفْسَه: يبيع نَفْسَه.
(٢) تَحنَّطَ: وضع عَلَى نَفْسِه الحنوط، وهو نوع من الطَيب يذر على جسد الميت.
(٣) أوهن: أضعف.
(٤) عزمت: أقسمت.
(٥) أَبْرَرْتُ عَزْمَة أميري: أمضيت قَسَمَ أميري ونفّذته.
(٦) يجندل: يصرع.
(٧) تعاورته سيوفهم: تداولته سيوفهم.
(٨) طوبى لك: السَّعَادَة والغبطة والعيش الطَيب لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>