للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَيَتَفَجَّعَانِ (١) عَلَى عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ قَتَلَتْهُمْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ وَغَيَّبَهُمُ "الْقَلِيبُ" (٢) فِي أَعْمَاقِهِ … فَتَنَهَّدَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَقَالَ:

لَيْسَ - وَاللَّهِ - فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ.

فَقَالَ عُمَيْرٌ: صَدَقْتَ وَاللَّهِ … ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا، وَقَالَ:

وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَوْلَا دُيُونٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَقْضِيهَا بِهِ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيَاعَ مِنْ بَعْدِي، لَمَضَيْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَقَتَلْتُهُ، وَحَسَمْتُ أَمْرَهُ، وَكَفَفْتُ شَرَّهُ … ثُمَّ أَتْبَعَ يَقُولُ بِصَوْتٍ خَافِةٍ: وَإِنَّ فِي وُجُودِ ابْنِي وَهْبٍ لَدَيْهِمْ مَا يَجْعَلُ ذَهَابِي إِلَى "يَثْرِبَ" أَمْرًا لَا يُثِيرُ الشُّبُهَاتِ.

* * *

اغْتَنَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ كَلَامَ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُفَوِّتَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا عُمَيْرُ، اجْعَلْ دَيْنَكَ كُلَّهُ عَلَيَّ، فَأَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ مَهُمَا بَلَغَ … وَأَمَّا عِيَالُكَ فَسَأَضُمَّهُمْ إِلَى عِيَالِي مَا امْتَدَّتْ بِي وَبِهِمُ الْحَيَاةُ …

وَإِنَّ فِي مَالِي مِنَ الْكَثْرَةِ مَا يَسَعُهُمْ جَمِيعًا، وَيَكْفُلُ لَهُمُ الْعَيْشَ الرَّغِيدَ.

فَقَالَ عُمَيْرٌ: إِذَنْ، اكْتُمْ حَدِيثَنَا هَذَا وَلَا تُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا.

فَقَالَ صَفْوَانُ: لَكَ ذَلِكَ.

* * *

قامَ عُمَيْرٌ مِنَ الْمَسْجِدِ وَنِيرَانُ الْحِقْدِ تَتَأَجَّجُ (٣) فِي فُؤَادِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَطَفِقَ يُعِدُّ الْعُدَّةَ لإِنْفَاذِ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَخْشَى ارْتِيَابَ أَحَدٍ فِي سَفَرِهِ؛ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَوِي الْأَسْرَى مِنَ الْقُرَشِيِّينَ كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ عَلَى "يَثْرِبَ" سَعْيًا وَرَاءَ افْتِدَاءِ أَسْرَاهُمْ.

* * *


(١) يتفجَّعان: يظهران الوجع مما أصابهما.
(٢) القليب: بئر دُفن فيه قتلى المشركين يوم بَدْر.
(٣) تتأجَّج: تشتعل وتضطرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>