للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قَالَتْ: وَمَا الَّذِي أَوْصَلَكَ إِلَى أَيْدِي النَّخَّاسِينَ فِي مَكَّةَ؟!!.

قَالَ: أَغَارَتْ عَلَى حَيِّنَا قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَاسْتَاقَتِ الْأَنْعَامَ وَسَبَتِ النِّسَاءَ، وَأَخَذَتِ الذَّرَارِيَ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أُخِذَ مِنَ الْغِلْمَانِ، ثُمَّ مَا زَالَتْ تَتَدَاوَلُنِي (١) الْأَيْدِي حَتَّى جِيءَ بِي إِلَى مَكَّةَ، وَصِرْتُ فِي يَدِكِ.

* * *

دَفَعَتْ أُمُّ أَنْمَارٍ غُلَامَهَا إِلَى قَيْنٍ (٢) مِنْ قُيُونِ مَكَّةَ لِيُعَلِّمَهُ صِنَاعَةَ السُّيُوفِ، فَمَا أَسْرَعَ أَنْ حَذَقَ (٣) الْغُلَامُ الصَّنْعَةَ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا أَحْسَنَ تَمَكُّنٍ.

وَلَمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُ خَبَّابٍ وَصَلُبَ عُودُهُ (٤)؛ اسْتَأْجَرَتْ لَهُ أُمُّ أَنْمَارٍ دُكَّانًا، وَاشْتَرَتْ لَهُ عُدَّةٌ، وَجَعَلَتْ تَسْتَثْمِرُ مَهَارَتَهُ فِي صُنْعِ السُّيُوفِ.

* * *

لَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ عَلَى خَبَّابٍ حَتَّى شُهِرَ فِي مَكَّةَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُقْبِلُونَ عَلَى شِرَاءِ سُيُوفِهِ، لِمَا كَانَ يَتَحَلَّى بِهِ مِنَ الأمَانَةِ وَالصِّدْقِ، وَإِتْقَانِ الصَّنْعَةِ.

* * *

وَقَدْ كَانَ خَبَّابٌ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ فَتَائِهِ (٥) يَتَحَلَّى بِعَقْلِ الْكَمَلَةِ (٦)، وَحِكْمَةِ الشُّيُوخِ ..

وَكَانَ إِذَا مَا فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَخَلَا إِلَى نَفْسِهِ كَثِيرًا مَا يُفَكِّرُ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ الْجَاهِلِيِّ الَّذِي غَرِقَ فِي الْفَسَادِ مِنْ أَخْمَصِ (٧) قَدَمَيْهِ إِلَى قِمَّةِ رَأْسِهِ.

وَيَهُولُهُ مَا رَانَ (٨) عَلَى حَيَاةِ الْعَرَبِ مِنْ جَهَالَةٍ جَهْلَاءَ، وَضَلَالَةٍ عَمْيَاءَ، كَانَ هُوَ نَفْسُهُ أَحَدَ ضَحَايَاهَا …


(١) تتداولني الأيدي: أنتقل من يد إلى أخرى.
(٢) القين: الحدَّاد، وجمعه قيون.
(٣) حذق الصَنعة: أتقن الصَنعة.
(٤) اشتد ساعده وصلب عوده: كنايتان عن قوَّتِه.
(٥) فتائِه: شبابه وحداثة سِنّه.
(٦) الْكَمَلَة: الكاملون.
(٧) أخمص قدميه: أسْفَل قدميه.
(٨) ران: غطَّى.

<<  <  ج: ص:  >  >>