للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنِّي عَرَفْتُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ (١) مَا قَبْلَهُ، فَقَدْ ظَلَلْتُ أَسْتَشْعِرُ فَدَاحَةَ الْفَعْلَةِ الَّتِي اجْتَرَحْتُهَا (٢)، وَأَسْتَفْظِعُ الرُّزْءَ (٣) الْجَلِيلَ الَّذِي رَزَأْتُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَطَفِقْتُ أَتَحَيَّنُ الْفُرْصَةَ الَّتِي أُكَفِّرُ بِهَا عَمَّا سَلَفَ مِنِّي.

* * *

فَلَمَّا لَحِقَ الرَّسُولُ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى، وَآلَتْ خِلَافَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ، وَارْتَدَّتْ بَنُو "حَنِيفَةَ" أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ مَعَ الْمُرْتَدِّينَ، جَهَّزَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ جَيْشًا لِحَرْبِ مُسَيْلِمَةَ، وَإِعَادَةِ قَوْمِهِ بَنِي "حَنِيفَةَ" إِلَى دِينِ اللهِ.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذِهِ - وَاللهِ - فُرْصَتُكَ يَا وَحْشِيُّ فَاغْتَنِمْهَا، وَلَا تَدَعْهَا تُفْلِتُ مِنْ يَدَيْكَ.

ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذْتُ مَعِي حَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَقْتُلَ بِهَا مُسَيْلِمَةَ أَوْ أَظْفَرَ بِالشَّهَادَةِ.

فَلَمَّا اقْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ وَجَيْشِهِ "حَدِيقَةَ الْمَوْتِ" (٤)، وَالْتَحَمُوا بِأَعْدَاءِ اللهِ، جَعَلْتُ أَتَرَصَّدُ مُسَيْلِمَةَ، فَرَأَيْتُهُ قَائِمًا وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ، وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يَتَرَبَّصُ بِهِ مِثْلَمَا أَتَرَبَّصُ أَنَا بِهِ: كِلَانَا يُرِيدُ قَتْلَهُ …

فَلَمَّا وَقَفْتُ مِنْهُ مَوْقِفًا أَرْضَاهُ، هَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى? إِذَا اسْتَقَامَتْ فِي يَدِي دَفَعْتُ بِهَا نَحْوَهُ، فَوَقَعَتْ فِيهِ …


(١) يَجُبُّ ما قبله: يمحو ما قبله من الذُّنوب.
(٢) اجتَرَحْتُها: ارتكبتُها.
(٣) الرزء الذي رزأت به الإِسْلَام: المصيبَةَ الَّتِي أصبتُ بها الْإِسْلَام.
(٤) حديقة الموت: الحديقة الكبيرة التي لَجَأَ إليها مُسَيْلِمة وأتباعُه، وسميت بذلك لكثرة من مات فيها من
المرتدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>