للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ يَمُرُّ بِرَسُولِ اللهِ هَارِبًا وَمَعَهُ الْجَعْبَةُ (١) مِنَ السِّهَامِ، فَيُنَادِي عَلَيْهِ النَّبِيُّ وَيَقُولُ لَهُ:

(انْثُرْ سِهَامَكَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ وَلَا تَمْضِ بِهَا هَارِبًا).

وَمَا زَالَ أَبُو طَلْحَةَ يُنَافِحُ (٢) عَنْ رَسُولِ اللهِ حَتَّى كَسَرَ ثَلَاثَ أَقْوَاسٍ، وَقَتَلَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْ جُنُودِ الْمُشْرِكِينَ.

ثُمَّ انْجَلَتِ الْمَعْرَكَةُ، وَسَلَّمَ اللهُ نَبِيَّهُ وَصَانَهُ بِصَوْنِهِ.

* * *

وَكَمَا كَانَ أَبُو طَلْحَةَ جَوَادًا بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ فِي سَاعَاتِ الْبَأْسِ (٣)، فَقَدْ كَانَ أَكْثَرَ جُودًا بِمَالِهِ فِي مَوَاقِفِ الْبَذْلِ (٤)

مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بُسْتَانٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَمْ تَعْرِفُ "يَثْرِبُ" (٥) بُسْتَانًا أَعْظَمَ مِنْهُ شَجَرًا، وَلَا أَطْيَبَ ثَمَرًا، وَلَا أَعْذَبَ مَاءً.

وَفِيمَا كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يُصَلِّي تَحْتَ أَفْيَائِهِ الظَّلِيلَةِ؛ أَثَارَ انْتِبَاهَهُ طَائِرٌ غَرِدٌ أَخْضَرُ اللَّوْنِ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ، مُخَضَّبُ (٦) الرِّجُلَيْنِ …

وَقَدْ جَعَلَ يَتَوَاثَبُ عَلَى أَفْنَانِ الْأَشْجَارِ طَربًا مُغَرِّدًا مُتَرَاقِصًا … فَأَعْجَبَهُ مَنْظَرُهُ، وَسَبَحَ بِفِكْرِهِ مَعَهُ …

ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ؛ فَإِذَا هُوَ لَا يَذْكُرُ كَمْ صَلَّى؟! …

رَكْعَتَيْنِ … ثَلَاثًا … لَا يَدْرِي …

فَمَا إِنْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى غَدًا (٧) عَلَى رَسُولِ اللهِ ، وَشَكَا لَهُ نَفْسَهُ


(١) الجعبة: كيس السِّهام.
(٢) ينافح: يدافع.
(٣) في ساعات البأس: في ساعات الشِّدَّة.
(٤) مواقف البَذْل: مواقف العطاء.
(٥) يثرب: المدينة المنورة.
(٦) مخضَّب الرجلين: مصبوغ الرجلين.
(٧) غدا عَلَى رسول الله: مَضى إلى رسول الله .

<<  <  ج: ص:  >  >>