للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ "أُحُدٍ" انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ فَنَفَذَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ (١)، وَشَجُّوا جَبِينَهُ، وَجَرَحُوا شَفَتَهُ، وَأَسَالُوا الدَّمَ عَلَى وَجْهِهِ …

حَتَّى إِنَّ الْمُرْجِفِينَ أَرْجَفُوا (٢) بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَازْدَادَ الْمُسْلِمُونَ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ (٣)، وَأَعْطَوْا ظُهُورَهُمْ (٤) لِأَعْدَاءِ اللهِ.

عِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ غَيْرُ نَفَرٍ قَلِيلٍ فِي طَلِيعَتِهِمْ أَبُو طَلْحَةَ.

* * *

انْتَصَبَ أَبُو طَلْحَةَ أَمَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ كَالطَّوْدِ الرَّاسِخِ (٥) بَيْنَمَا وَقَفَ النَّبِيُّ خَلْفَهُ يَتَتَرَّسُ (٦) بِهِ …

ثُمَّ وَتَرَ (٧) أَبُو طَلْحَةَ قَوْسَهُ الَّتِي لَا تُفَلُّ (٨)، وَرَكَّبَ عَلَيْهَا سِهَامَهُ الَّتِي لَا تُخْطِيُّ، وَجَعَلَ يَذُودُ (٩) بِهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ ، وَيَرْمِي جُنُودَ الْمُشْرِكِينَ وَاحِدًا إِثْرَ وَاحِدٍ.

وَكَانَ النَّبِيُّ يَتَطَاوَلُ مِنْ خَلْفِ أَبِي طَلْحَةَ لِيَرَى مَوَاقِعَ سِهَامِهِ؛ فَكَانَ يَرُدُّهُ خَوْفًا عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ:

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ (١٠) عَلَيْهِمْ فَيُصِيبُوكَ …

إِنَّ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ (١١) وَصَدْرِي دُونَ صَدْرِكَ، وَجُعِلْتُ فِدَاكَ …


(١) رباعيته: سِنُّه التي بين الثنيَّة والنّابِ.
(٢) أرجف المرجفون: زعم الخراصون الكذابون.
(٣) ازداد المسلمون وهنا عَلَى وهن: ازدادوا ضعفًا عَلَى ضعف.
(٤) أعطوا ظهورهم لأعداء الله: جعلوا ينهزمون أمامهم.
(٥) الطود الراسخ: الجبل الثابت.
(٦) يتترس به: يجعله ترسًا له ووقاية من رماح الأعداء وسهامهم.
(٧) وتر قوسه: شَدَّ قوسه.
(٨) لا تفل: لا تُهْزم.
(٩) يذود بها: يدافع بها.
(١٠) لا تشرف عليهم: لا تطلَّ عليهم.
(١١) إن نحري دون نحرك: إن عنقي فداءٌ لعنقك.

<<  <  ج: ص:  >  >>