للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ "حُنَيْنٍ" جَمَعَتِ الْعَرَبُ لِحَرْبِ النَّبِيِّ مَا لَمْ تَجْمَعْ قَطُّ، وَأَعَدَّتْ لِلِقَائِهِ مَا لَمْ تُعِدَّ مِنْ قَبْلُ، وَعَزَمَتْ عَلَى أَنْ تَجْعَلَهَا الْقَاضِيَةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.

وَخَرَجَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِلقَائِهِمْ فِي جُمُوعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، وَلَمَّا رَأَيْتُ جُمُوعَ الْمُشْرِكِينَ الْكَبِيرَةَ قُلْتُ:

وَاللَّهِ لأُكَفِّرَنَّ الْيَوْمَ عَنْ كُلِّ مَا سَلَفَ مِنِّي مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَيَرَيَنَّ النَّبِيُّ مِنْ أَثَرِي مَا يُرْضِي اللَّهَ وَيُرْضِيهِ.

وَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ اشْتَدَّتْ وَطْأَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَدَبَّ فِيهِمُ الْوَهَنُ وَالْفَشَلُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَتَفَرَّقُونَ عَنِ النَّبِيِّ ، وَكَادَتْ تَحُلُّ بِنَا الْهَزِيمَةُ الْمُنْكَرَةُ.

فَإِذَا بِالرَّسُولِ - فِدَاهُ أَبِي وَأُمِّي - يَثْبُتُ فِي قَلْبِ الْمَعْرَكَةِ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ كَأَنَّهُ الطَّوْدُ (١) الرَّاسِخُ، وَيُجَرِّدُ سَيْفَهُ، وَيُجَالِدُ (٢) عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ حَوْلَهُ كَأَنَّهُ اللَّيْثُ عَادِيًا.

عِنْدَ ذَلِكَ وَثَبْتُ عَنْ فَرَسِي، وَكَسَرْتُ غِمْدَ سَيْفِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْمَوْتَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ .

وَأَخَذَ عَمِّي الْعَبَّاسُ بِلِجَامِ بَغْلَةِ النَّبِي ، وَوَقَفَ بِجَانِبِهِ …

وَأَخَذْتُ أَنَا مَكَانِي مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَفِي يَمِينِي سَيْفِي أَذُودُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ، أَمَّا شِمَالِي فَكَانَتْ مُمْسِكَةً بِرِكَابِهِ.

فَلَمَّا نَظَرَ النَّبِيُّ إِلَى حُسْنِ بَلائي (٣) قَالَ لِعَمِّيَ الْعَبَّاسٍ:


(١) الطُّود: الْجَبلُ العظيم.
(٢) يجالد: يضارب بالسيف.
(٣) حُسْن بلائي: شدَّة فتْكي بالأعداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>