للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَتَعَالَ نَقُصَّ عَلَيْكَ صُوَرًا مِنْ حَيَاةِ جَعْفَرٍ وَأَرْضَاهُ …

* * *

كَانَ أَبُو طَالِبٍ - عَلَى الرَّغْمِ مِنْ سُمُوِّ شَرَفِهِ فِي قُرَيْشٍ، وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ فِي قَوْمِهِ - رَقِيقَ الْحَالِ كَثِيرَ الْعِيَالِ.

وَقَدِ ازْدَادَتْ حَالُهُ سُوَءًا عَلَى سُوءٍ بِسَبَبِ تِلْكَ السَّنَةِ الْمُجْدِبَةِ (١) الَّتِي نَزَلَتْ بِقُرَيْشٍ فَأَهْلَكَتِ الزَّرْعَ وَالضَّرْعَ (٢)، وَحَمَلَتِ النَّاسَ عَلَى أَنْ يَأْكُلُوا الْعِظَامَ الْبَالِيَةَ.

وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي "هَاشِمٍ" - يَوْمَئِذٍ - أَيْسَرُ (٣) مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ.

فَقَالَ مُحَمَّدٌ لِلْعَبَّاسٍ: يَا عَمُّ، إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ شِدَّةِ الْقَحْطِ (٤) وَمَضَضِ (٥) الْجُوعِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَحْمِلَ عَنْهُ بَعْضَ عِيَالِهِ؛ فَآخُذَ أَنَا فَتى مِنْ بَنِيهِ، وَتَأْخَذَ أَنْتَ فَتًى آخَرَ فَتَكْفِيَهُمَا عَنْهُ.

فَقَالَ الْعَبَّاسُ: لَقَدْ دَعَوْتَ إِلَى خَيْرٍ، وَحَضَضْتَ عَلَى بِرٍّ.

ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَا لَهُ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْكَ بَعْضَ مَا تَحْمِلُهُ مِنْ عِبْءٍ عِيَالِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ هَذَا الضُّرُّ الَّذِي مَسَّ النَّاسَ.

فَقَالَ لَهُمَا: إِذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلًا (٦) فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا …

فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ عَلِيًّا وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَرًا وَجَعَلَهُ فِي عِيَالِهِ.


(١) السّنة المجدبة: التي انقطع مطرُها.
(٢) الضَّرع: كناية عن الماشية.
(٣) أيسر: أغنى.
(٤) القحط: الجدب واحتباس المطر.
(٥) مَضَض الجوع: ألمه.
(٦) عقيل: هو عقيل بن أبي طالب أخو علي وهو أكبر منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>