وَمَعِي قَصْعَتِي آكُلُ فِيهَا وَأَغْسِلُ عَلَيْهَا رَأْسِي وَثِيَابِي ..
وَمَعِي قِرْبَةٌ لِوُضُوئِي وَشَرَابِي …
ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - تَبَعٌ لِمَتَاعِي هَذَا، وَفَضْلَةٌ لَا حَاجَةَ لِي وَلَا لِأَحَدٍ غَيْرِي فِيهَا.
فَقَالَ عُمَرُ: وَهَلْ جِئْتَ مَاشِيًا؟!.
قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا أُعْطِيتَ مِنَ الْإِمَارَةِ دَابَّةً تَرْكَبُهَا؟!.
فَقَالَ: هُمْ لَمْ يُعْطُونِي، وَأَنَا لَمْ أَطْلُبْ مِنْهُمْ.
فَقَالَ عُمَرُ: وَأَيْنَ مَا أَتَيْتَ بِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ؟.
فَقَالَ: لَمْ آتِ بِشَيْءٍ.
فَقَالَ عُمَرُ: وَلِمَ؟!.
فَقَالَ: لَمَّا وَصَلْتُ إِلَى "حِمْصَ"؛ جَمَعْتُ صُلَحَاءَ أَهْلِهَا، وَوَلَّيْتُهُمْ جَمْعَ فَيْئِهِمْ، فَكَانُوا كُلَّمَا جَمَعُوا شَيْئًا مِنْهُ؛ اسْتَشَرْتُهُمْ فِي أَمْرِهِ وَوَضَعْتُهُ فِي مَوَاضِعِهِ، وَأَنْفَقْتُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْهُمْ.
فَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ: جَدِّدْ عَهْدًا لِعُمَيْرٍ عَلَى وِلَايَةِ "حِمْصَ".
فَقَالَ عُمَيْرٌ: هَيْهَاتَ (١) … فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا أُرِيدُهُ، وَلَنْ أَعْمَلَ لَكَ وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى قَرْيَةٍ فِي ضَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُقِيمُ بِهَا أَهْلُهُ، فَأَذِنَ لَهُ.
* * *
(١) هيْهات: كلمة تقال عند استبعاد أمْرٍ ما.