للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أَسْلَمَ وَسِنُّهُ لَمْ تُجَاوِزِ الْعِشْرِينَ بَعْدُ، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا إِلَّا "بَدْرًا"، فَقَدْ غَابَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مُهِمَّةٍ كَلَّفَهُ إِيَّاهَا النَّبِيُّ .

وَأَسْهَمَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِلَالِ عَرْشِ "كِسْرَى" وَتَقْوِيضِ مُلْكِ "قَيْصَرَ"، وَكَانَتْ لَهُ في كُلِّ مَوْقِعَةٍ خَاضَ غِمَارَهَا الْمُسْلِمُونَ مَوَاقِفُ غُرٌّ مَشْهُودَةٌ، وَأَيَّادٍ بِيضٌ مَحْمُودَةٌ. وَلَعَلَّ أَرْوَعَ بُطُولَاتِهِ، تِلْكَ الَّتِي سَجَّلَهَا يَوْمَ "الْيَرْمُوكِ"، فَلْنتْرُكْ لَهُ الْكَلَامَ لِيَقُصَّ عَلَيْنَا طَرَفًا مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

* * *

قَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ:

لَمَّا كَانَ يَوْمُ "الْيَرْمُوكِ" كُنَّا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَتْ لَنَا "الرُّومُ" بِعِشْرِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، وَأَقْبِلُوا عَلَيْنَا بِخُطى ثَقِيلَةٍ كَأَنَّهُمُ الْجِبَالُ تُحَرِّكُهَا أَيْدٍ خَفِيَّةٌ، وَسَارَ أَمَامَهُمْ الْأَسَاقِفَةُ وَالْبَطَارِقَةُ وَالْقِسِّيسُونَ يَحْمِلُونَ الصُّلْبَانَ وَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالصَّلَوَاتِ؛ فَيُرَدِّدُهَا الْجَيْشُ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَهُ هَزِيمٌ (١) كَهَزِيمِ الرَّعْدِ.

فَلَمَّا رَآهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حَالِهُمْ هَذِهِ، هَالَتْهُمْ كَثْرَتُهُمْ، وَخَالَطَ قُلُوبَهُمْ شَيْءٌ مِنْ خَوْفِهِمْ.

عِنْدَ ذَلِكَ قَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ (٢) يَحُضُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ، فَقَالَ: عِبَادَ اللهِ، انْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ …

عِبَادَ اللهِ، اصْبِرُوا فَإِنَّ الصَّبْرَ مَنْجَاةٌ مِنَ الْكُفْرِ، وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ، وَمَدْحَضَةٌ (٣) لِلْعَارِ، وَأَشْرِعُوا (٤) الرِّمَاحَ، وَاسْتَتِرُوا بِالتُّرُوسِ، وَالْزَمُوا الصَّمْتَ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ اللهِ ﷿ فِي أَنْفُسِكُمْ، حَتَّى آمُرَكُمْ إِنْ شَاءَ الله.


(١) الهزيم: صوت الرعد.
(٢) أَبُو عُبَيْدَة بن الْجَرَاح: انظره ص ٨٩.
(٣) مدحضة للعار: دافع للعار.
(٤) أشرعوا الرماح: سددوها وصوبوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>