للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَاخْتَارَتْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، لِمَا بَدَا لَهَا مِنْ عَلَامَاتِ نَجَابَتِهِ (١)، وَمَضَتْ بِهِ.

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى تَزَوَّجَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَرَادَتْ أَنْ تُطْرِفَهُ (٢) وَتُهْدِي لَهُ، فَلَمْ تَجِدْ خَيْرًا مِنْ غُلَامِهَا الْأَثِيرِ (٣) زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَأَهْدَتْهُ إِلَيْهِ.

* * *

وَفِيمَا كَانَ الْغُلَامُ الْمَحْظُوظُ يَتَقَلَّبُ في رِعَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَيَحْظَى بِكَرِيم صُحْبَتِهِ، وَيَنْعَمُ بِجَمِيلِ خِلَالِهِ (٤).

كَانَتْ أُمُّهُ الْمَفْجُوعَةُ بِفَقْدِهِ لَا تَرْقَأُ (٥) لَهَا عَبْرَةٌ، وَلَا تَهْدَأُ لَهَا لَوْعَةٌ، وَلَا يَطْمَئِنُ لَهَا جَنْبٌ …

وَكَانَ يَزِيدُهَا أَسًى عَلَى أَسَاهَا أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ أَحَيٌّ هُوَ فَتَرْجُوَهُ أم مَيِّتٌ فَتَيْأَسَ مِنْهُ …

أَمَّا أَبُوهُ فَأَخَذَ يَتَحَرَّاهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ، وَيُسَائِلُ عَنْهُ كُلَّ رَكْبٍ، وَيَصُوغُ حَنِينَهُ إِلَيْهِ شِعْرًا حَزِينًا تَتَفَطَّرُ (٦) لَهُ الأَكْبَادُ حَيْثُ يَقُولُ:

بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ … أَحَيٌّ فَيُرْجَى أم أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ؟

فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ … أَغَالَكَ بَعْدِي السَّهْلُ أم غَالَكَ الْجَبَلْ (٧)

تُذَكِّرُنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا … وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إِذَا غَرْبُهَا أَفَلْ (٨)

سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا … وَلَا أَسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمَ الْإِبِلْ (٩)


(١) نجابته: ذكائه وفطنته.
(٢) أن تطرفه: أن تتحفه.
(٣) الأثير: العزيز.
(٤) بجميل خلاله: بجميل أخلاقه وصفاته.
(٥) لا ترقأ لها عبرة: لا تجف لها دمعة.
(٦) تتفطر: تتمزق.
(٧) غالك: سرقك.
(٨) أقل: غاب.
(٩) سأعمل نص العيس: سأستحث النوق على السّير في الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>