للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بَلَغَ أَبُو ذَرٍّ مَكَّةَ وَهُوَ مُتَوَجِّسٌ (١) خِيفَةً مِنْ أَهْلِهَا، فَقَدْ تَنَاهَتْ إِلَيْهِ أَخْبَارُ غَضْبَةِ قُرَيْشٍ لِآلِهَتِهِمْ، وَتَنْكِيلِهِمْ (٢) بِكُلِّ مَنْ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ.

لِذَا كَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَدْرِي أَيَكُونُ هَذَا الْمَسْؤُولُ مِنْ شِيعَتِهِ (٣) أم مِنْ عَدُوِّهِ؟.

* * *

وَلَمَّا أَقْبَلَ اللَّيْلُ اضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَقَالَ:

هَلُمَّ (٤) إِلَيْنَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَمَضَى مَعَهُ وَبَاتَ لَيْلَتَهُ عِنْدَهُ، وَفِي الصَّبَاحِ حَمَلَ قِرْبَتَهُ وَمِرْوَدَهُ (٥) وَعَادَ إِلَى الْمَسْجِدِ دُونَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ.

ثمَّ قَضَى أَبُو ذَرٍّ يَوْمَهُ الثَّانِي دُونَ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَى النَّبِيِّ ، فَلَمَّا أَمْسَى أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ:

أَمَّا آنَ لِلرَّجُل أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ؟!.

ثُمَّ اصْطَحَبَهُ مَعَهُ فَبَاتَ عِنْدَهُ لَيْلَتَهُ الثَّانِيَةَ، وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ.

فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ عَلِيٌّ لِصَاحِبِهِ: أَلَا تُحَدِّثُنِي عَمَّا أَقْدَمَكَ إِلَى مَكَّةَ؟.

فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي مِيثَاقًا (٦) أَنْ تُرْشِدَنِي إِلَى مَا أَطْلُبُ فَعَلْتُ.

فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ مَا أَرَادَ مِنْ مِيثَاقٍ.


(١) متوجس خيفة: مستشعر بالخوف متحمِّسٌ به.
(٢) تنكيلهم: بطشهم.
(٣) من شيعته: من أنصاره.
(٤) هلم إلينا: تعال عندنا.
(٥) المزود: كيس يوضع فيه الطّعام.
(٦) الميثاق: العهد الواجب الوفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>