للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مَوْقِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ فَبَعْضٌ اسْتَجَابَ لِلْحَقِّ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَبَعْضٌ تَوَلَّى عَنْهُ، وَاسْتَكْبَرَ عَلَيْهِ …

فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

أَمَّا "زُرُّ بْنُ سَدُوسٍ" فَمَا كَادَ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي مَوْقِفِهِ الرَّائِعِ تَحْفُّهُ الْقُلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ، وَتَحُوطُهُ الْعُيُونُ الْحَانِيَةُ حَتَّى دَبَّ الْحَسَدُ فِي قَلْبِهِ وَمَلأَ الْخَوْفُ فُؤَادَهُ، ثُمَّ قَالَ لِمَنْ مَعَهُ:

إِنِّي لأَرَى رَجُلًا لَيَمْلِكُنَّ رِقَابَ الْعَرَبِ، وَاللَّهِ لَا أَجْعَلَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتِي أَبَدًا … ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ (١) وَتَنَصَّرَ.

وَأَمَّا زَيْدٌ وَالْآخَرُونَ فَقَدْ كَانَ لَهُمْ شَأْنٌ آخَرُ: فَمَا إِنِ انْتَهَى الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ خُطْبَتِهِ، حَتَّى وَقَفَ زَيْدُ الْخَيْلِ بَيْنَ جُمُوعَ الْمُسْلِمِينَ - وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ جَمَالًا، وَأَتَمِّهِمْ خِلْقَةً وَأَطْوَلِهِمْ قَامَةً - حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَرْكَبُ الْفَرَسَ فَتَخِطُّ رِجْلَاهُ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا حِمَارًا …

وَقَفَ بِقَامَتِهِ الْمَمْشُوقَةِ، وَأَطْلَقَ صَوْتَهُ الْجَهِيرَ (٢) وَقَالَ:

يَا مُحَمَّدُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.

فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ الكَرِيمُ وَقَالَ لَهُ: (مَنْ أَنْتَ؟).

قَالَ: أَنَا زَيْدُ الْخَيْلِ بْنُ مُهَلْهِلٍ.

فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ:

(بَلْ أَنْتَ زَيْدُ الْخَيْرِ، لَا زَيْدُ الْخَيْلِ …


(١) حلق رأسه: أي فعل كما يفعل الرّهبان حيث يحلقون رؤوسهم.
(٢) الجهير: القوي الواضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>