للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَلَمَّا أُتِيحَتْ لِيَ الْفُرْصَةُ بَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى أَقُولُ لَهُمْ:

إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ يُرِيدُ الذَّهَابَ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ فَأَعْلِمُونِي.

فَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مُتَّجِهُ إِلَى الشَّامِ، فَأَخْبَرُونِي بِهِ فَاحْتَلْتُ عَلَى قَيْدِي حَتَّى حَلَلْتُهُ، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ مُتَخَفِّيًا حَتَّى بَلَغْنَا بِلَادَ الشَّامِ …

فَلَمَّا نَزَلْنَا فِيهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟.

قَالُوا: الْأُسْقُفُ (١) رَاعِي الْكَنِيسَةِ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ:

إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَلْزَمَكَ وَأَخْدِمَكَ وَأَتَعَلَّمَ مِنْكَ وَأُصَلِّيَ مَعَكَ.

فَقَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ عِنْدَهُ وَجَعَلْتُ أَخْدِمُهُ.

ثُمَّ مَا لَبِثْتُ أَنْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّجُلَ رَجُلُ سُوءٍ؛ فَقَدْ كَانَ يَأْمُرُ أَتْبَاعَهُ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ بِثَوَابِهَا، فَإِذَا أَعْطَوْهُ مِنْهَا شَيْئًا لِيُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ مِنْهُ شَيْئًا؛ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ (٢) مِنَ الذَّهَبِ.

فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ مِنْهُ، ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ مَاتَ فَاجْتَمَعَتِ النَّصَارَى لِدَفْنِهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ:

إِنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ رَجُلَ سُوءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا.

قَالُوا: مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟!.


(١) الأسقف: مرتبة من مراتب رجال الدِّين عند النّصارى فوق القسيس ودون المطران.
(٢) القلال: جمع: جمع قلة وهي الجرة العظيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>