وَفِي ذَاتِ مَرَّةٍ شَغَلَهُ عَنِ الذَّهَابِ إِلَى الْقَرْيَةِ شَاغِلٌ، فَقَالَ:
يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ عَنِ الضَّيْعَةِ بِمَا تَرَى، فَاذْهَبْ إِلَيْهَا وَتَوَلَّ الْيَوْمَ عَنِّي شَأْنَهَا، فَخَرَجْتُ أَقْصُدُ ضَيْعَتَنَا، وَفِيمَا أَنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى؛ فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ فَلَفَتَ ذَلِكَ انْتِبَاهِي.
* * *
لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى أَوْ أَمْرِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَدْيَانِ لِطُولِ مَا حَجَبَنِي أَبِي عَنِ النَّاسِ فِي بَيْتِنَا، فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُونَ.
فَلَمَّا تَأَمَّلْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ، وَرَغِبْتُ فِي دِينِهِمْ وَقُلْتُ:
وَاللَّهِ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى ضَيْعَةِ أَبِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُهُمْ:
أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟.
قَالُوا: فِي بِلَادِ الشَّامِ.
وَلَمَّا أَقْبَلَ اللَّيْلُ عُدْتُ إِلَى بَيْتِنَا فَتَلَقَّانِي أَبِي يَسْأَلُنِي عَمَّا صَنَعْتُ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَتِ إِنِّي مَرَرْتُ بِأُناسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، وَمَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ …
فَذُعِرَ أَبِي مِمَّا صَنَعْتُ وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ … دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ.
قُلْتُ: كَلَّا - وَاللَّهِ - إِنَّ دِينَهُمْ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، فَخَافَ أَبِي مِمَّا أَقُولُ، وَخَشِيَ أَنْ أَرْتَدَّ عَنْ دِينِي، وَحَبَسَنِي بِالْبَيْتِ، وَوَضَعَ قَيْدًا فِي رِجْلَيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute