والتقى الجمعان يوم السبت حادي عشر شهر الأَول ربيع، فزحف اللنك بجنوده ومعهم الفيلة، وصاحوا صيحة واحدة، فولَّى أَكثر الناس فزعًا فأَبلى نائبُ طرابلس في الحرب وأَزدمر ويشبك بن أَزدمر وغيرهم من الفرسان حتى كوثر أَزدمر، ففُقد، ووقع يشبك بن أزدمر بين القتلى فسلم بعد ذلك وتمَّت الهزيمة على العسكر الإِسلامي ورجعوا طالبين أَبواب حلب فوُجد فقتل في الزحام من لا يُحصى واللنكية في آثارهم بالسيوف، وانحشر الأُمراء في القلعة.
وهجم عسكر تمرلنك البلد فأَضرموا فيها النار وأَسروا النِّساءَ والصبيان، وبذلوا السيوف في الرجال والأَطفال حتى صار المسجد الجامع كالمجزرة، ورُبطت الخيول في المساجد، وافتُضَّت الأَبكار فيها بمحضرٍ من أَهلها، وكان من شأْن عسكر تمرلنك عدم الاحتشام من الوطء بمحضرٍ من الناس ولو زنوا.
ثم حوصرت القلعة ورُدِم خندقها، فلم يصبروا إلَّا يومين والثالث، فطَلب دمرداش ومَن معه الأَمان فأُجيبوا إِلى ذلك، ثم استنزلوهم من القلعة ونظموا كل نائب وطائِفَته في قيودٍ، ثم استحضرهم تمرلنك بعد أَن طلع إِلى القلعة في ناسٍ قليل بين يديه وعنَّفهم، وامتدّت الأَيدى لنهب أَموال الناس التي حصلت بالقلعة لظنِّ أَصحابها أَنها تَسْلَم، فكأَنهم جمعوا ذلك للعدوّ حتى لا يتعب في تحصيلها، وعُرِضَت عليه الأَموال ومَن أُسِر من الأَبكار والشباب، ففرّق ذلك على أُمرائه.
وكان (١) بالقلعة من الأَموال والذخائر والحلي والسلاح ماتعجّب اللنك من كثرته، حتى أَخبرَ بعضُ أَخصّائه أَنه قال:"ما كنت أَظن أَن في الدنيا قلعةً فيها هذه الذخائر".
ثم تعدّى أَصحابه إِلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإِفساد فيها بقَطْع الأشجار وتخريب الديار، وجافت النواحي من كثرة القتلى منه، وكادت الأَرجل أَلَّا تطأَ إلَّا على