وأنشأ دارًا بدرْب الأتراك بالقرب من جامع الأزهر، وكان في أواخر عُمْرِه أخذ أماكن عند باب السّر من الجهة القبلية - من جامع الأزهر - وعمّرها مدرسة، فلمّا قرب فراغُها مات فدُفِن بها.
ويقال إنّه كان له قَريب من الحبوش، فأسكنه في دير عند بساتين الوزير فعمَّره، وصار هو ومن معه يتظاهرون بما لا يتظاهر به غيرهم بجاهه، والله أعلم بسريرته.
ومن عجائبه أنّ وليّ الدين بن قاسم كان قد ولى قضاء دمياط في دولة الأشرف بعد موت ابن مكنون، وكان يستنيب فيه من يرتشي منه المال الجزيل ويقرّر عليه كل شهر مقدارًا جيّدًا وكان جوهر يطّلع على ذلك لأنّه كان صديقه، فلما سافر ابن القاسم للمجاورة بمكة نزل عن قضاء دمياط للقاضي كمال الدين البارزي فباشرها إلى أن خرج إلى قضاء دمشق، فسأله جَوْهَرُ أن ينزل له عن قضاء دمياط، فنزل له عنه. فجرى على عادة ابن قاسم وانضاف إلى ذلك أنّه كان يستأجر من الأوقاف بالنزر اليسير ما يحصّل منه في السنة أموالًا كثيرةً، ورأيتْه إذا عَزَل نائبًا وقرّر آخر يكتب بخطّه "الداعى جوهر الحنفي "وكذلك إذا سُئِل في مرسومٍ أو كتاب توصيةٍ بأحَد.
وتوسَّع في تحصيل الإقطاعات والإرْصادات إلى أن قيل إنه وُجِد باسمه بعد موته خمسون ما بين رِزق وإقطاع ومستأجراتٍ، وكان يستأجر القرية بخمسين دينارًا، وهي تغلّ قدر المائة أو أزيد، ويصرف أجرتها على حساب صَرْف الدينار بأحد عشر ورُبعٍ درهم وزْنًا، وهو يساوي حينئذ أربعة عشر درهمًا ورُبع درهم، ثم يبيع عليهم بذلك عسلًا يقيِّمه عليهم بثلاثين درهمًا، وهو يساوي عشرين ونحوها، فلا يتحصّل لهم من الجهة نحو العشرين. وقِسْ على ذلك، ومن خافه في شيء ممّا يرومه لا يأمن على نفسه ولا ماله، وفي بعض الأحيان يمتنع من صرْفٍ الأجرة أصلًا ويقول:"إن كانت الأرض مصرية شرقت" مع أنه ربمّا كان استأجرها مقيلًا ومراحًا، "وإن كانت شامية كانت مَحْلًا"، ويواظب مع ذلك على الصّلاة والتلاوة، ويقرّب أهل القرآن، ويتصدّق في فقهاء الحرمين بجُمل مَن المال.
٩ - حسن بن عبد الله بن تَقِى القباني، بدر الدين، كان مشهورًا بِجَدِّه (١) مات في خامس عشري شوال عن سنّ عالية تقْرُب من التسعين، وكان في بدايته قد اشتغل وتعانى