الحكم فيهم، فقال الشافعي:"الحيلة في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي، فلنفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي"، ثم سأل [السلطانُ] عن النوّاب فقال له الشافعي: "كان السلطان قبل السفر أمر بعشرين، وهم الآن أربعون، لكن كلّ اثنين في نوبة"، ثم سأل عن الرّسل وأمر أن لا يُعطى الرّسول إلا ثلاثين.
ثم انصرفوا ولم يعد يطلبون إلى مجلس حكم، بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء، فبطل ذلك.
* * *
واستهلّ جمادى الآخرة ليلة الاثنين.
فيه أرسل ناصر الدين بن ذُلْغَادِرْ وَلَدَه سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم بن قرمان، وكان ابن قرمان قد أخذ قيصرية (١) ونازل صاحب أماسية، وهو من حاشية ابن عثمان، فجهز مع سليمان عسكرا وندب معه صاحب توقات. وأمره بمحاصرة قيصرية وتسليمها إلى ابن ذُلْغَادرْ، وجهز عيسى - أخا إبراهيم - على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم، فبلغ ذلك صاحب مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان.
وفى يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكي ورقةً إلى كاتب السرّ يستعفى من القضاء، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره أن يُعَيِّن قاضيًا غيره، ويستمر بمعاليم القضاء له دون الذي يتعيّن، فلما بلغ ذلك وَلدَ القاضي قام وقعد وسعى عند عليباي الخزندار، وأنكر أن يكون أبوه كتب الورقة، وبلغ ذلك كاتبّ السّر فغضب عليهم نِسْبَتَهم إياه للكذب، وأخرج الورقة فوجدوها بخطّه الذي لا يُرتاب فيه. ومع ذلك اعتنى بهم عَليباي، ولم يستطع كاتب السّر التوسع في القضيّة كلاما رعايةً لخاطر الخزندار المذكور، فإنه كان يومئذٍ من أقرب الناس منزلةً عند السلطان، فاستقرّ الحال على أنه يتحيّل السلطانَ أن يعيد ولاية المالكي، فأجابهم لذلك، واستمرّ في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
(١) تقع قيصرية وأماسية في آسيا الصغرى - أما الأولى وتعرف أيضًا بقيسارية فكانت من أكبر مدن السلاجقة وتعرف عند كتاب العصور الوسطى الغربيين باسم CAESAREAMAZAKA ، وكان حولها سور من حجر بناه السلطان علاء الدين السلجوقي، ولأهمية هذه المدينة من الناحية الحربية فإن تيمور لنك وضعها نصب عينيه ووجه همته للاستيلاء عليها. أما أماسية فمن مستجدات السلطان علاء الدين وقد وصفها ابن بطوطة في القرن الثاني عشر الميلادي بالاتساع والحسن وسعة الشوارع وكثرة الأسواق والأنهار والبساتين، انظر لي سترانج: بلدان الخلافة الشرقية، ص ١٧٤، ١٧٩.