وفي أَواخر شعبان تكلَّمْتُ مع السلطان في أن لا تُطفأ القناديل في رمضان إلا قُبَيْل طلوع الفجر لما يحصل للناس من الإجحاف بمن ينام ثم يستيقظ عطشانَ فلا يجد القناديل بعد فيظُن أن الأَكل والشُّرب حُرِّمَا وليس كذلك، فوافق السلطان على ذلك، ثم عَقد لذلك مجلسًا، فاتفق مَن حضر على أَنه يترتب على ذلك أَن يغلط من كان يعرف العادة المستمرة فيبطل صومه، فتوقف الأمر واستمرت العادة، ولله الأَمر.
وفي هذه السنة صرف أَبو السعادات، محمد بن أَبي البركات محمد بن أَبي السعود ابن ظهيرة عن قضاء مكة واستقر الجمال محمد بن على الشَّيْبي، ولما حَجَّ مع الناس استقرّ في مباشرة الحكم وأمر بسدّ أَبواب الحَرَمِ كلها إلا أَربعة أَبواب، فحصل للناس بذلك مشقة شديدة، وكان ما سنذكره.
وفيها وصلت من الهند من صاحب بنجالة (١) هدايا جليلةٌ لجماعةٍ من الناس خصوصًا الشيخ علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخارى ثم الهندى نزيل القاهرة، ثم وصلت أَيضا هدايا من صاحبٍ له في الهند.
* * *
وفى العشر الأخير من شعبان انكشفت رأْس بعض المماليك وهو يلعب بالرمح فظهر أَنه أَقرع فضحكوا منه، فسأَل السلطان أَن يقرّره "شادّ القُرْعان" فكَتب له مرسوما بذلك، فكان يدور على الناس فمن ظن به أَنه أَقرع كشف رأْسه فإن وجده أَقرع أَخذ منه ثلاثة دراهم فضة وثلثا، ثم اضْمحلَّ أَمره بعد قليل.
* * *
وفيها قدم سودون نائب الشام ثم رجع إلى إمرته بعد عشرة أَيام، وصرف أُزْدُمُر شايه عن إمرته بالقاهرة وقُرِّر حاجبًا بحلب.
وفيها خرج عرب الشرق من الحجاز على أَهل الركب العراقي فانتهبوهم، وكان من جملتهم ولدان لحسن بن عجلان كانا انتجعا المشرق فأَكرمهما الملوك اللَّنكية وغيرهم ورجعا بمال ونُهب، وذَهبت للتجار العراقيين أَموالٌ عظيمة كثيرة جدا.
(١) أمامها في هامش هـ "الشيخ علاء الدين محمد البخاري" ثم "سيأتي أن هدية الشيخ من صاحب كلبر جا".