للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبعثها إلى الملوك، كما فى حديث أنس أنه- صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشى فقيل له إنهم لا يقبلون كتابا إلا بختم فصاغ خاتما ونقش فيه:

محمد رسول الله، وإنما لبسه أبو بكر- رضى الله عنه- لأجل ولايته، فإنه كان يحتاج إليه كما كان- صلى الله عليه وسلم- يحتاج إليه وكذلك عمر وعثمان.

وحكى ابن عبد البر عن طائفة من العلماء كراهة لبسه مطلقا، احتجاجا بحديث أنس أنه- صلى الله عليه وسلم- نبذه ولم يلبسه. وفى الشمائل للترمذى عن ابن عمر أنه- صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه. وفى الصحيحين من حديث أنس أنه رأى فى يده- صلى الله عليه وسلم- خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خاتمه فطرح الناس خواتيمهم.

والصواب: القول الأول، فإن لبس النبى- صلى الله عليه وسلم- الخاتم إنما كان فى الأصل لأجل المصلحة لختم الكتب التى يرسلها إلى الملوك، ثم استدام لبسه ولبسه أصحابه معه، ولم ينكره عليهم، بل أقرهم عليه، فدل ذلك على الإباحة المجردة. وأما حديث النهى عن الخاتم إلا لذى سلطان فقال ابن رجب: ذكر بعض أصحابنا أن أحمد ضعفه. وأما ما جاء فى حديث الزهرى عن أنس أنه- صلى الله عليه وسلم- لبسه يوما واحدا ثم ألقاه. فقد أجيب عنه بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه وهم من الزهرى، وسهو جرى على لسانه لفظ الورق، وإنما الذى لبسه يوما واحدا ثم ألقاه كان من ذهب، كما ثبت ذلك من غير وجه فى حديث ابن عمر وأنس أيضا.

الثانى: أن الخاتم الذى رمى به- صلى الله عليه وسلم- لم يكن كله فضة، وإنما كان حديدا عليه فضة، وروى أبو داود عن معيقيب الصحابى- وكان على خاتم النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: كان خاتم النبى- صلى الله عليه وسلم- من حديد ملوى عليه فضة.

فلعل هذا هو الذى لبسه يوما واحدا ثم طرحه، ولعله هو الذى كان يختم به ولا يلبسه.