للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«قد علمت أنكم تكفونى ولكنى أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» انتهى. ولم أر هذا لغير الطبرى بعد التتبع نعم رأيت فى جزء تمثال النعل الشريف لأبى اليمن بن عساكر بعد أن روى حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: كنت مع النبى- صلى الله عليه وسلم- فى الطواف فانقطعت شسعه فقلت: يا رسول الله ناولنى أصلحه، فقال: «أثرة ولا أحب الأثرة» «١» والأثرة: بفتح الهمزة والثاء، الاسم من آثر يؤثر إذا أعطى، والأثرة: الاستئثار وهو الانفراد بالشىء. قال: وكأنه كره- صلى الله عليه وسلم- أن ينفرد أحد بإصلاح نعله، فيحوز فضيلة الخدم فيكون له بمثابة الخادم ويكون له- صلى الله عليه وسلم- ترفع المخدوم على خادمه، كره ذلك- صلى الله عليه وسلم- لتواضعه وعدم ترفعه على من يصحبه.

ويؤيده ما روى أنه- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يمتهن نفسه فى شىء فقالوا: نحن نكفيك يا رسول الله، قال: «قد علمت أنكم تكفونى ولكنى أكره أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» انتهى. ثم رأيت شيخنا فى الأحاديث المشتهرة حكى ذلك والله الموفق.

وعن أبى قتادة: وقد وفد النجاشى، فقام النبى- صلى الله عليه وسلم- يخدمهم، فقال له أصحابه: نكفيك، قال: «إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وأنا أحب أن أكافئهم» «٢» ذكره فى الشفاء.

وفى البخارى: عن أنس: كان الرجل يجعل للنبى- صلى الله عليه وسلم- النخلات حتى افتتح قريظة والنضير، وإن أهلى أمرونى أن آتى النبى- صلى الله عليه وسلم- فأسأله الذى كانوا أعطوه أو بعضه، وكان- صلى الله عليه وسلم- قد أعطاه أم أيمن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب فى عنقى تقول: كلا والذى لا إله غيره لا نعطيكم وقد


(١) ضعيف: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (٣/ ٢٤٤) وقال: رواه أبو يعلى والطبرانى فى الكبير والأوسط، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف، وفى (٩/ ٢١) وقال: رواه البزار وفيه من لم أعرفه.
(٢) أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (٢/ ٣٠٧) .