للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبعد عن مماسة البول. وقال حذيفة: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ «١» . رواه البخارى. وفى رواية غيره: بال قائما ففجع رجليه، أى: فرقهما وباعد ما بينهما.

والسباطة- بضم المهملة وبعدها موحدة- هى المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها، وتكون فى الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة. وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهى الجدار ففيه إضرار، أو نقول: إنما بال فوق السباطة لا فى أصل الجدار، وهو صريح فى رواية أبى عوانة فى صحيحه. وقيل: يحتمل أن يكون علم إذنهم فى ذلك بالتصريح أو غيره أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف فى مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين عن أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه- صلى الله عليه وسلم-. قال الحافظ ابن حجر: وأما مخالفته- صلى الله عليه وسلم- لما عرف من عادته من الإبعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظار، فقد قيل فيه إنه- صلى الله عليه وسلم- كان مشغولا بمصالح المسلمين، ولعله طال عليه المجلس حتى احتاج إلى البول فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستره من خلفه عن رؤية من لعله يراه، أو لعله فعله لبيان الجواز. ثم هو فى البول أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر.

وروى الطبرانى من حديث عصمة بن مالك قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال: يا حذيفة استرنى فذكر الحديث «٢» . وظهر منه الحكمة فى إدنائه حذيفة فى تلك الحالة.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٢٤) فى الوضوء، باب: البول قائما وقاعدا، ومسلم (٢٧٣) فى الطهارة، باب: المسح على الخفين.
(٢) انظر «فتح البارى» (١/ ٣٢٩) .