للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحفوا الشوارب» «١» . واختلف فى قص الشارب وحلقه أيهما أفضل: ففى الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة، وعن ابن عبد الحكم عن مالك قال: ويحفى الشارب ويعفى اللحية، وليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى تأديب من حلق شاربه. وعن أشهب أن حلقه بدعة قال: وأرى أن يوجع ضربا من فعله. وقال النووى: المختار أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله. وقال الطحاوى: لم نجد عن الشافعى شيئا منصوصا فى هذا، وكان المزنى والربيع يحفيان شاربهما. وأما أبو حنيفة وصاحباه فمذهبهم فى شعر الرأس والشارب أن الإحفاء أفضل من التقصير. وأما أحمد، فقال الأثرم رأيته يحفى شاربه شديدا. وقد اختلفوا فى كيفية قص الشارب، هل يقص طرفاه أيضا، وهم المسميان بالسبالين أم تترك السبالان كما يفعله كثير من الناس؟

قال الغزالى فى الإحياء: لا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب. فعل ذلك عمر- رضى الله عنه- وغيره، لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقى فيه غمرة الطعام إذ لا يصل إليه انتهى. وروى أبو داود عن جابر قال: كنا [نعفى] السبال إلا فى حج أو عمرة «٢» . وكره بعضهم إبقاءه لما فيه من التشبه بالأعاجم بل بالمجوس وأهل الكتاب، وهذا أولى بالصواب لما رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث ابن عمر قال: ذكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- المجوس فقال: «إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم» «٣» ، فكان يجز سباله كما يجز الشاة أو البعير. وروى أحمد فى مسنده فى أثناء حديث لأبى أمامة. فقلنا: يا رسول الله، فإن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم فقال: «قصوا


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٥٨٩٢) فى اللباس، باب: تقليم الأظفار، ومسلم (٢٥٩) فى الطهارة، باب: خصال الفطرة، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.
(٢) أخرجه أبو داود (٤٢٠١) فى الترجل، باب: فى أخذ الشارب.
(٣) حسن: أخرجه ابن حبان فى «صحيحه» (٥٤٧٦) من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.