للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشريفة، أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله بنور إلهى، ثم إن تلك الحقائق يؤتى الله كل حقيقة منها ما يشاء فى الوقت الذى يشاء، فحقيقة النبى- صلى الله عليه وسلم- قد تكون من حين خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف، بأن يكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبيّا، وكتب اسمه على العرش، وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده «١» .

«فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليه من الحضرة الإلهية حاصل من ذلك الوقت، وإنما يتأخر البعث والتبليغ، وكل ما له من جهة الله ومن جهة تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخر فيه. وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة، وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم-» .

«وقد علم من هذا: أن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيّا لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء. ووصف النبى- صلى الله عليه وسلم- بالنبوة فى ذلك الوقت ينبغى أن يفهم منه أنه أمر ثابت له فى ذلك الوقت.

ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير فى المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبى وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله تعالى نبوتهم فى ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبى- صلى الله عليه وسلم- لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاما لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى» .

وعن الشعبى «٢» : قال رجل يا رسول الله، متى استنبئت؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد، حين أخذ منى الميثاق» «٣» رواه ابن سعد، من رواية جابر الجعفى، فيما ذكره ابن رجب.


(١) لعله يشير إلى حديث شفاعة آدم حينما أذنب فذهب إلى ربه فاستشفع بمحمد- صلى الله عليه وسلم-، فسأله الله عز وجل، وما أعلمك به؟ فقال: وجدت اسمه مكتوب على عرشك، فعرفت أنه أحب الخلق إليك ... إلى آخره، فهو ضعيف جدّا، ولا حجة فيه، وسيأتى بعد قليل.
(٢) هو: عامر بن شراحيل الشعبى، من أئمة التابعين، وعلى ذلك فحديثه مرسل.
(٣) مرسل: أخرجه ابن سعد فى «الطبقات» (٧/ ٤٢) .