ونقله عنه الرشاطى فى كتابه «اقتباس الأنوار والتماس الأزهار» وذكره ابن الحاج فى المدخل وساقه بتمامه، والقاضى عياض فى «الشفاء» لكنه ذكر بعضه، ويقع فى كثير من نسخ الشفاء: روى عن عمر بن الخطاب-- رضى الله عنه- أنه قال فى كلام بكى به النبى- صلى الله عليه وسلم-، بتشديد الكاف من بكى، والصواب فيها التخفيف، لأن هذا الكلام إنما سمع من عمر- رضى الله عنه- بعد موته- صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، ونبهت عليه فى حاشية الشفاء والله أعلم. ويؤيد هذا قوله فى الخبر نفسه: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لقد اتبعك فى قصر عمرك ما لم يتبع نوحا فى كثرة سنه وطول عمره، فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل.
وأخرج ابن عساكر عن أبى ذؤيب الهذلى قال: بلغنا أن النبى- صلى الله عليه وسلم- عليل، فأوجس الحى خيفه، وبث بليلة طويلة حتى إذا كان السحر نمت فهتف بى هاتف وهو يقول:
خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومقعد الآطام
قبض النبى محمد فعيوننا ... تبدى الدموع عليه بالتسجام
فوثبت من نومى فزعا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح فعلمت أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قبض!! أو هو ميت، فقدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقيل: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
ومن عجيب ما اتفق ما روى عن عائشة: أنهم لما أرادوا غسل النبى- صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا ندرى، أنجرد النبى- صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه فى صدره، ثم كلهم مكلم من ناحية البيت، لا يدرون من هو، اغسلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فقاموا وغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص «١» . رواه البيهقى فى دلائل النبوة.