للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلف فى قول أبى بكر- رضى الله عنه-: «لا يجمع الله عليك موتتين» .

فقيل هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدى رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره، كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذى مر على قرية، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها.

وقيل: أراد أنه لا يموت موتة أخرى فى القبر كغيره، إذ يحيا ليسئل ثم يموت، وهذا جواب الداودى. وقيل: لا يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك. وقيل: كنى بالموت الثانى عن الكرب، أى لا يلقى بعد كرب الموت كربا آخر. قاله فى فتح البارى.

وعنها: أن عمر قام يقول: والله ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقبله وقال: بأبى أنت وأمى، طبت حيّا وميتا، والذى نفسى بيده، لا يذيقك الله الموتتين أبدا، ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١» وقال:

وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ «٢» الآية، قال: فنشج الناس يبكون «٣» ، رواه البخارى.

يقال: نشج الباكى، إذا غص بالبكاء فى حلقه من غير انتحاب.

وعن سالم بن عبيد الأشجعى قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أجزع الناس كلهم عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-، فأخذ بقائم سيفه وقال: لا أسمع أحدا يقول: مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا ضربته بسيفى هذا، قال: فقال


(١) سورة الزمر: ٣٠.
(٢) سورة آل عمران: ١٤٤.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (١٢٤٢) وقد تقدم.