للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشيخ أبو محمد المرجانى: تلك السكرات سكرات الطرب، ألا ترى إلى قول بلال حين قال له أهله وهو فى السياق: واكرباه، ففتح عينيه وقال:

واطرباه، غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه، فإذا كان هذا طربه وهو فى هذا الحال بلقاء محبوبه وهو النبى- صلى الله عليه وسلم- وحزبه، فما بالك بلقاء النبى- صلى الله عليه وسلم- لربه تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ «١» وهذا موضع تقصر العبارة عن وصف بعضه.

وفى حديث مرسل ذكره الحافظ ابن رجب: أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والقصب والأنامل، فأعنى عليه وهونه على» . وعند الإمام أحمد والترمذى من طريق القاسم عنها قالت: ورأيته وعنده قدح فيه ماء وهو يموت، فيدخل يده فى القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: «اللهم أعنى على سكرات الموت» «٢» .

ولما تغشاه الكرب، قالت فاطمة- رضى الله عنها-: واكرب أبتاه، فقال لها: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» «٣» ، رواه البخارى. قال الخطابى: زعم من لا يعد من أهل العلم: أن المراد بقوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» أن كربه كان شفقة على أمته، لما علم من وقوع الاختلاف والفتن بعده، وهذا ليس بشئ، لأنه كان يلزم أن تنقطع شفقته على أمته بموته، والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة، لأنه مبعوث إلى من جاء بعده، وأعمالهم تعرض عليه، وإنما الكلام على ظاهره، وإن المراد بالكرب ما كان يجده- صلى الله عليه وسلم- من شدة الموت، وكان- صلى الله عليه وسلم- فيما يصيب جسده من الآلام كالبشر ليتضاعف له الأجر، انتهى.

وروى ابن ماجه أنه- صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: «إنه حضر من أبيك ما الله تعالى بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة» «٤» .


(١) سورة السجدة: ١٧.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) حسن: أخرجه ابن ماجه (١٦٢٩) ، فيما جاء فى الجنائز، باب: ذكر وفاته ودفنه. من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-، وقال الألبانى فى صحيح ابن ماجه: حسن صحيح.