للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموت لأنى رأيت بياض كف عائشة فى الجنة» . وخرجه ابن سعد وغيره مرسلا: أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «لقد رأيتها فى الجنة، حتى ليهون علىّ بذلك موتى، كأنى أرى كفيها» ، يعنى عائشة.

فقد كان- صلى الله عليه وسلم- يحب عائشة حبّا شديدا، حتى لا يكاد يصبر عنها، فمثلت له بين يديه فى الجنة ليهون عليه موته، فإن العيش إنما يطيب باجتماع الأحبة، وقد سأله- صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: «أى الناس أحب إليك؟» فقال:

«عائشة» فقال: من الرجال: قال: «أبوها» «١» ، ولهذا قال لها فى ابتداء مرضه لما قالت: وارأساه: «وددت أن ذلك كان وأنا حى فأصلى عليك وأدفنك» «٢» فعظم ذلك عليها، وظنت أنه يحب فراقها، وإنما- صلى الله عليه وسلم- يريد تعجيلها بين يديه ليقرب اجتماعهما.

ويروى أنه كان عنده- صلى الله عليه وسلم- فى مرضه سبعة دنانير، فكان يأمرهم بالصدقة بها ثم يغمى عليه، فيشتغلون بوجعه، فدعا بها فوضعها فى كفه فقال: «ما ظن محمد بربه لو لقى الله وعنده هذه؟» ثم تصدق بها كلها. رواه البيهقى.

انظر إذا كان هذا سيد المرسلين، وحبيب رب العالمين المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف حال من لقى الله وعنده دماء المسلمين وأموالهم المحرمة، وما ظنه بربه تعالى.

وفى البخارى من طريق عروة عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: دعا النبى- صلى الله عليه وسلم- فاطمة فى شكواه الذى قبض فيه، فسارّها بشئ فبكت، ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسألناها عن ذلك فقالت: سارّنى النبى- صلى الله عليه وسلم- أنه يقبض فى وجعه الذى توفى فيه فبكيت، ثم سارّنى فأخبرنى أنى أول أهله يتبعه فضحكت «٣» .


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٦٢) فى المناقب، باب: قول النبى لو كنت متخذا خليلا. من حديث عمرو بن العاص- رضى الله عنه-.
(٢) تقدم.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٢٦٢٦) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام. من حديث عروة عن عائشة- رضى الله عنها-.